الشباب العربي 2011 : يُطهّر الأمة العربية من رجس الاستبداد …

الثلاثاء 22 آذار 2011

على بساط الثلاثاء 119


الشباب العربي 2011 :

يُطهّر الأمة العربية من رجس الاستبداد …

–   الياسمين من تونس

–   اللوتس   من مصر

–   سعف النخيل المدمّى من ليبيا

–   الحكمة يمانية … والبقية تأتي

( 1 )

لقد خاض الثوار المقاومون في الوطن العربي غمار ثورات عارمة لطرد الجيوش الاستعمارية حتى منتصف القرن العشرين ، وعندما اقتنع المستعمرون أنه لابد من الرحيل نفذوّا ذلك بمقضى مخططاتهم التي كانوا قد أعدوّها من قبل ، بحيث يتم الرحيل دون أن تتأثر مصالحم الاستراتيجية في الوطن العربي ، بل كان سعيهم إلى ان تلك المصالح يمكن تحقيقها بكلفة أقل من تواجد الجيوش الاستعمارية ، هكذا فشل العرب في الحصول على الاستقلال ، وتم منحهم استقلالات لإجزاء بموجب معاهدات بين القوى المستعمرة ذاتها ، فقامت ممالك وجمهوريات وسلطنات وإمارات ومستعمرة صهيونية وأقاليم محتلة من دول الجوار ، وقد ترتبّ على ذلك ، أن المشروع النهضوي العربي التنويري التحرري وجد نفسه في المواجهة السياسية للتجزئة ، وتم إرجاء البحث الجدي في المسائل الأخرى ، من أول الحرية والعدالة ، إلى آخر المساواة والمواطنة والديموقراطية ، مروراً بالاقتصاد والاجتماع والثقافة ، ذلك أن دولة الوحدة ستكون هي الجنة الموعودة التي ستلبي جميع الحاجات للشعب العربي على تنوعها ، وبالتالي ، فإن التطهّر الثوري من الواقع المجزأ المؤقت والمرفوض ، هو المثل الأعلى للمناضلين ، وقد ترتبّ على ذلك ، أن الواقع الموضوعي في الأجزاء وفي الكل العربي بات أرضاً خصبة لتنبت فيه المفاسد والاستبداد والطغيان والاستغلال والقمع والتوحش ، حتى القوميون الذين قفذوا على بعض السلطات الإقليمية  عن طريق إنقلابات أو … التهمت تلك السلطات جميع مشاريعهم القومية النهضوية التوحيدية التحررية ، وتحولوا إلى متسلطين أكثر سوءاً ، حيث جميع أشكال وفنون القمع والتوحش والتبعية مباحة للحفاظ على التأبيد في السلطة ، وحيث قوى الهيمنة الدولية تمارس جميع أشكال النفاق والغزل والدعم للطغاة مقابل تأمين المصالح … هكذا فقدت تلك الإستقلالات حتى الغايات الجزئية منها ، واستنقع الواقع العربي وتحول إلى ممالك وجمهوريات وجماهيريات وإمارات وسلطنات …للخوف والفساد والنهب والقمع ، وبالتالي لابد من إعادة النظر في الكثير من المفاهيم وفي الأساس من ذلك تجديد البناء البنيوي للحامل الذي يتنكبّ مهام تحقيق المشروع النهضوي التحرري التوحيدي ، وهو الإنسان العربي ، فهل يعقل بعد التجارب المرة أن يكون الإنسان المقموع ، المستعبد ، المكبل ، المستلب الإرادة ، والقرار ، هو الحامل لمشروع النهوض والتحرر القومي ؟ ، إذن لابد من المراجعة بشفافية ، وحسم ، ومصداقية ، وتحديداً للمسار من التحرير ، إلى الحرية ، إلى الوحدة ، وهذا يعني أن أكثر من نصف قرن قضاها العرب في ظلام الخوف والاستبداد واستلاب إرادة الإنسان العربي وحريته ، قد جرّدت الاستقلالات من مضامينها ، فالتحرر من الأجنبي الذي لا يؤدي إلى الحرية ، ليس إلا استعماراً مُقنعاً ، واستبداداً ، وقمعاً لإرادة الشعب ، ونشراً للخوف والفساد ، وهذا لايمكن ان يؤدي إلى الوحدة ، وإنما إلى تجزأة المجزأ …

( 2 )

في هذا السياق التاريخي انبلج فجر الثورة العربية الراهنة ، إنها استكمالاً لثورات التحرر والمقاومة الشعبية التي طردت جيوش المستعمرين ، إنها تنبت من دماء الشهداء الذين طردوا المستعمرين ، وبالتالي تمنح الاستقلال مضمونه الأساسي ، وهو الحرية ، إذ ، ماقيمة الاستقلال في بلاد ينسحب منها أجنبي ، ثم يتسلط عليها طغاة ومستبدون وقتلة ولصوص ؟ ، أليس ظلم ذوي القربى أشد مضاضة …؟ .

نحن إذن نعاصر ثورة عربية تاريخية ، الحامل لها شباب مبدعون ، سرعان مايلتف حولهم شعب ثائر ينتفض على القهر والخوف فيتحول الشعب كله إلى رموز مضيئة ، فيتمكن من فرض إرادته …

( 3 )

البداية كانت من تونس ، التي كان المتسلط على مقدراتها قد حولهّا إلى جمهورية للخوف ، إلى درجة أنه ، وعلى مدى أسابيع لم يصدق أن الثوار باتوا على أبواب قصوره ، وعندما فهم في الربع ساعة الأخيرة كان عليه أن يوظف فهمه لترتيب هروبه من البلاد …

تونس اليوم تزرع الياسمين ، وتتنفس الحرية ، وتبني مؤسسات المجتمع أحزاباً ومنتديات وجمعيات تمهيداً لبناء هيكلية حقيقية لمؤسسات الدولة اليموقراطية حيث المواطنة والعدالة والمساواة ، وهذا يعني أن الثورة تنتقل من هدم الإستبداد وآلياته ، إلى التأسيس لبنيان الحرية …

إن هذا الشعب العظيم كان على مدى عقود يردّد ماقاله يوماً أبو القاسم الشابي :

إذا الشعب يوماً أراد الحياة

فلا بد أن يستجيب القدر

وهكذا عندما أراد الشعب ، كانت الثورة …

( 4 )

سرعان ما وصل أريج الياسمين إلى مصر فتفتحت أزهار اللوتس تزهو ، وانطلق الشعب إلى ميادين التحرير ، فحتى يكون هناك تحرير ، يجب أن تتحقق الحرية ، وهذا كله يبدأ من إرادة الإنسان ، وهكذا أراد الشعب إسقاط النظام ، ولا راد لإرادته ، فسقط النظام قبل أن يفهم الطاغية …

مصر اليوم تزرع اللوتس ، وتتنفس الحرية ، وتبني صرح المؤسسات الديموقراطية .

لقد كان المشهد بالغ التأثير بالأمس ، الشعب ينتظم طوابير ممتدة للإدلاء بإصواتهم على تعديل الدستور ، مشهد حضاري إنساني يصفع وجوه الطغاة الذين يرددون على مدى عقود ، أن الديموقراطية لا تليق بنا وبالتالي يجب تأجيل الحديث عنها إلى أجيال قادمة ، هكذا نحن لانعيش سقوط الإستبداد ، وحسب ، وإنما نعيش سقوط منظومته ومفاهيمه أيضاً …

( 5 )

في القلب بين تونس ومصر تتململ ليبيا ، كيف السبيل للتخلص من طاغية ، ذو نمط خاص ، لكن الشعب  أراد ولا راد لإرادته ، صحيح ان الثمن سيكون باهظاً ، لكن الحرية تستحق … فقط هناك غصة في القلب كنت أتمنى أن تكون الأمة العربية قد تجاوزت محنتها ، وبالتالي يندفع المناضلون العرب من كل مكان لمواجهة الطاغية ، وأسلحته الفتاكة …واحتضان أهلنا في ليبيا ، وتضميد جراحهم ، وإثبات أن الطغاة هم الجرزان والمهووسين ، أو على الأقل أن يقوم بهذه المهمة النظام الإقليمي العربي دون حاجة لمساعدة أجنبية ، لكن لا بأس ، فالشعب العربي في ليبيا سينال حريته ، وبالتالي سيعرف كيف يصون سيادته وحريته من أي عدوان خارجي .

( 6 )

إلى اليمن ، موطن الأجداد ، حيث للثورة نكهة البن اليمني ، وحيث كان الطاغية مطمئناً إلى أن الاستبداد حولّ الشعب إلى قبائل متناحرة ، ومذاهب متقاتلة إلى حد التكفير ، وحيث شمال وجنوب يتنافران ، لكن للحرية عند هذا الشعب العظيم قيمة أخرى ، إنه أكبر من الأجزاء ، أكبر من المذاهب ، أكبر من القبلية ، بل أن الحلم يحمله لتتبّع خطى الأجداد بين المحيط والخليج ، هكذا صدحت تلك الفتاة العربية بالنداء فكان ميدان التغييّر ميداناً للحرية …

لقد قلنا سابقاً ، أن الثورة العربية الراهنة بمواصفاتها ومقاييسها ونواميسها لا سابقة لها في التاريخ البشري على حد علمنا ، نضيف على ذلك ميزة يمنية لاسابقة لها في التاريخ ، فمن المعروف أن الشعب الأعزل في اي بلد من البلدان يواجه أسلحة السلطات بدون سلاح ، لكن في حالة اليمن ، نحن أمام وضع غير مسبوق ، فالشباب اليمني يمتلك السلاح ، لكنه قرّر أن يواجه الطغاة بصدور عارية ، هكذا كان ميدان التغييّر بدون سلاح ، ورغم المذابح التي أقدم عليها الطاغية وكررها ، فإن هذا الشعب العظيم كان يشيّع الشهداء ومن ثم يعود ليواجه رصاص الطاغية بصدور عارية وإرادة موحدة ، لا مذهبية ، لاطائفية ، لافبلية ، لا مناطقية ، الشمال في قلب الجنوب ، والجنوب في قلب الشمال ، هكذا ، وهكذا فقط بدأت أنياب السفاح تتساقط ….

( 7 )

إنه التاريخ العربي ، إنه الحاضر العربي ، إنه المستقبل العربي ، يخطهّ جيل عربي جديد ، لاقائد له ، لارمز ، لا ُملهم ، لاأحزاب ، لا تنظيمات ، يُبدع أساليبه وأدواته ، فيوليّ الطغاة الأدبار ، وينتزع الشعب الحرية ، يفرز من ميادين التحرير مؤسساته ، وأحزابه ، إنه الشباب العربي ، من عيون موسى في الخليج العربي ، إلى عيون الصحراء على ساحل المحيط  ، ومن جوبة في الجنوب العربي إلى الاسكندرونة في شماله ، ومن الأحواز في مشرقه إلى الرأس الأبيض في مغربه ، فقد قرّر ، وأراد ، قرّر استلام راية الأمانة العامة للقومية العربية ، وقرّرأن يرفع رايتها ، يمنحها المهج ، والأرواح ، والدماء

إنه الشباب العربي الأمين ، الأمين على القومية العربية ، على الهوية العربية ، على الرسالة الحضارية للأمة العربية ، ينفض الغبار عن الوجه الإنساني الناصع للأمة العربية ، ويلقي إلى مزابل التاريخ كل ما لحق بنا ، و بها من زيف وتخلف ، وينظفّ وجهها الجميل من كل ماراكمته عليه قرون الانحطاط والطغيان والعدوان والاستغلال ، ويُسلمّ الأمانة إلى الأجيال القادمة بعده ، مع وصية وحيدة : حذارى أن تتنازلوا عن هذه الأمانة لفرد ، أو لجماعة منكم ، أو من غيركم ، أياً كان ، أو كانت ، بعد الآن ، إنها أمانة جماعية في اعناقكم جميعاً …

حبيب عيسى

أضف تعليق