الوحدة العربية .. ضرورة وجود استراتيجية .. ؟ .. أم تلبية لتحديات مرحلية .. ؟ .. أم حلم مستحيل .. ؟

 

الوحدة العربية :

ضرورة وجود إستراتيجية…؟

أم تلبية لتحديات مرحلية …؟

أم حلم مستحيل …؟

 

( 1 )

لقد مرت قضية الوحدة العربية ، منذ بداية عقد الخمسينات  من هذا القرن ، بمراحل مدّ ، وجذر متعاقبة في العقل العربي ، وفي الواقع العربي :

•        في مراحل المّد ، بدت هذه القضية ، وكأنها تيار جارف لا يمكن مقاومته ، وأن على الذين يتناقضون معها في الواقع العربي أن يستعدّوا للتعايش مع هذه القضية ، وتغيير أفكارهم ، وأيديولوجياتهم ، لتقبلّ وجود الأمة العربية على أرض الوطن العربي ، والكف عن التشكيك بوجودها .

•        وفي مراحل الجّذر ، بدت قضية الوحدة العربية ، وكأنها انهزمت ، وان على الذين رفعوا رايتها في الوطن العربي أن يتعايشوا وأن يغيرّوا أفكارهم وأيديولوجياتهم ، ليتمكنوا من التعامل مع البدائل المنتشرة على السطح ، من أول الدول “الفعلية” العديدة ، العتيدة القائمة ، إلى آخر الدول المقترحة ، والتي يمكن إضافتها إلى خريطة الأمة العربية التي تتزاحم عليها “الدول” … الكبيرة منها ، والصغيرة .

1-      يقول أنصار قضية الوحدة العربية :

إن الأمة العربية اكتملت تكويناً عندما تمكنّ العرب  من طرد جيوش الإمبراطوريتين الفارسية ، والبيزنطية ، وإجلاءهما عن الأرض العربية ، مما أتاح للقبائل ، والعشائر ، والشعوب المنتشرة بين المحيط ، والخليج أن تتفاعل مع بعضها البعض ، وأن تتوحد لغة ، ودولة ، وأن تختص بالأرض العربية ، وتستقر عليها ، وأنه ، حتى عندما امتدت جيوش الإمبراطورية العربية بعيداً عن الأرض العربية ، بهدف إبعاد الخطر ، أو نشر الرسالة ، فإن هذا الامتداد لم يحّول الأمم التي كانت قد اكتملت تكويناً إلى جزء من الأمة العربية ، وإن كانت قد أصبحت أجزاء من الإمبراطورية الإسلامية ، ويضيفون أن ما حصل بعد ذلك من تقسيم للوطن العربي ، وللشعب العربي ، كان نتيجة لعدوان خارجي  ،تفاعل مع تآمر داخلي – وهم في هذا مذاهب – ، لكنهم يجمعون في النهاية ، أن هذه التجزئة مهما استمرت ، لا تتغير طبيعتها ، كعدوان على وجود محققّ على الأمة العربية ، لا بد أن يزال ، بانتصار قضية الوحدة العربية .. ، أما كيف يتم الانتصار…؟ ، فهم في هذا مذاهب ، أيضاً .

2-      يقول أنصار التجزئة :

أنه لا يوجد امة عربية أصلاً ، وأن هذه المنطقة تضم شعوباً ، وأمماًَ كثيرة لها حضارات ممتازة ، ومتميزة عن بعضها البعض ، وأن هناك أعراق ، وديانات ، وأقاليم ، لكل منها حق تقرير المصير المستقل . وأن ما يسمى القومية العربية ، وبالتالي الوحدة العربية ، ما هو إلا خيال شاعري عاصر مرحلة غزو القبائل المنطلقة من الجزيرة العربية لأراض ، وشعوب ، وأمم لها حق الاستقلال ، أما ، ما هي حدود تلك الأمم ، والشعوب ، أرضاً ، وشعباً ، فهم في هذا مذاهب عديدة تبدأ ” بأوطان ، وشعوب ” ، معاهدة ” سايكس – بيكو ” ، ولا تنتهي ، إلى ما هو أوسع أحياناً ، وإلى ما هو أدنى أكثر الأحيان . لكنهم يجمعون في النهاية أنه لا بد من التحرر من آثار “الغزو العربي” ، ” لأممهم ” ، و ” أوطانهم ” ، أما كيف يحققونّ أهدافهم ، فهم في هذا مذاهب أيضاً .

3-      يقول نفر ثالث :

إن المسألة لا تحتمل كل هذه التعقيدات ، وأن الموقف الصحيح ببساطة هو التعامل مع المتغيّرات الدولية ، بفهم ، وموضوعية ، وأن هذا العالم محكوم بقوى عظمى قادرة على فرض إرادتها على العالم ، وبالتالي لا جدوى من مقاومتها ، فلنترك لتلك القوى أن ترسم الدول ، والحدود ، والمجتمعات كما تريد . والشاطر ، هو الذي يعرف ماذا تريد تلك القوى العظمى ، ويضع نفسه في الطريق الذي تختاره له ، وهكذا فإن الذكي ، حاكماً ، أو محكوماً ، هو من يجيد الرقص على تلك الحبال ، لا من يتمسك بحبل أمته ، ووطنه  …

4-      يقول نفر رابع :

علينا الانسجام مع هذا العالم المتغير ، وما يجري فيه ، ففي عصر التكتلات الكبيرة ، يجب أن نتكتل ، وفي عصر التعددية ، دعونا نتعدد ..

( 2 )

هكذا تتعدّد الآراء ، والمواقف من قضية الوحدة العربية وفق المنطلقات ، والغايات ، للأفراد ، والجماعات البشرية المنتشرة الآن في الوطن العربي ، فما هي حقيقة الأمر . ..؟

نقول ابتداءً ، أننا لا ندعي الحياد حيال هذه القضية ، ونسّجل ، أننا ننحاز بشدة للأمة العربية التي ننتمي إليها . وإلى الوطن العربي الذي نختصّ بأرضه ، ولا نرى في الواقع الراهن ، رغم قسوته ، إلا أنه عدوان مدبرّ ، مركبّ شديد التعقيد ، يستهدف وجود الأمة العربية ، وإن المعركة لم تحسم بعد ، كما يتوهم البعض ، وأن الأمة العربية لم تندثر ، وأن المحن التي تعاقبت خلال العقود القليلة المنصرمة لم تتمكن من إلغاء الوجود القومي للأمة العربية ، وإنما أدتّ إلى توهج حقيقة الصراع الدائر على الأرض العربية ، بعد أن ثبت عجز التعددية ، والتجزئة في أن تحقق تقدماً ، أو استقلالاً حقيقياً ، أو حضارة ، أو حتى كفاية ، أو تنمية وانحصرت إنجازاتها ، بالتبعية الاقتصادية ، والسياسية ، وحتى الاجتماعية ، للخارج ، ولتصبح تلك التبعية مفروضة على الأجزاء قهراً ، وخوفاً ، وحاجة ، واستجداء .

( 3 )

لقد تعرضّت الأمة العربية ، وتتعرّض لعدوان مكثفّ من الخارج ، وعسف ، وقهر ، واستبداد ، من الداخل ، وتستخدم ضدها كل الأسلحة المتاحة ، من أول أسلحة  التدمير الشامل إلى أسلحة الفتك الاجتماعي ، والاقتصادي ، والإقليمي ، والثقافي .. الأمة العربية ، هذه ، وصلت إلى حالة من التمزق ، والوهن أغرت الكثيرين على الاعتقاد أنها قد تلاشت واقعياً لصالح كيانات ، ودول ، وطوائف ، وأعراق مختلفة ، وأن هذه المنطقة من العالم ، قد استقرت فيها دولاً ، وشعوباً تنتمي إلى ما يسمونه منظومة “دول الشرق الأوسط “  ، تضم جنسيات مختلفة ، وشعوب متباينة ، بل وصل الأمر بمقدرة أسلحتهم على الفتك ، بالأمة العربية إلى درجة الإعلان أن كل دولة ، من تلك الدول ، تضم قوميات ، وشعوباً ، وأعراقاً ، وأدياناً ، تصلح ، لأن تكون دولاً عديدة ، لو جاء الظرف المناسب .

إذا كان هذا كله يبدو واضحاً بجلاء على سطح الحياة العربية ، وإذا كانت القوى التي تدعيّ التمثيل الشرعي للأمة العربية ، تعّد الصكوك النهائية ، لتثبيت ما هو قائم من أوضاع تقسيمية ، وانفصالية ، وانعزالية ، كبديل عن الوجود القومي التاريخي ، والمعاصر ، والمستقبلي للأمة العربية ، فإن نفر من أبناء الأمة العربية الحالمين يرددون بثقة ، وهدوء : ” إنها محنة ، وستمضي ” اعتماداً على ما تعرضت له هذه الأمة من أهوال ، ولم تندثر ، فهي واثقة بمقوماتها الصلبة ، والراسخة التي استعصت على قوى التحطيم ، رغم شراسة ، وتنوع ، ومقدرة أسلحة تلك القوى على الفتك ، والتدمير .

( 4 )

لقد أدىّ هذا الواقع ، شديد التعقيد ، إلى اختلاط الأوراق ، وتميّيع المواقف . ونعتقد أن المرحلة الراهنة قد وصلت إلى غايتها ، وأن الصراع الحقيقي ، والرئيسي في الوطن العربي هو الصراع بين الأمة العربية ، التي تريد أن تنهض ، وتسّتقل ، وتتقدم ، بقدر ما تملك من طاقات بشرية ، ومادية ، من جهة ، وبين قوى الهيمنة العالمية ، وامتداداتها من أنظمة الطغيان ، والاستبداد ، التي تسّتغل أوضاع التجزئة المحلية . وأن هذه التكوينات الراهنة ، قد فشلت ، أو أثبتت التجارب عجزها عن القيام بأعباء النهوض ، والتحرر ، وبالتالي ، فإنه لا بد من أن تتغيّر طبيعة النضال العربي ، ووسائله ، وأساليبه ، لتحقيق الأهداف ، كما يلي  :

1-      الخطوة الأولى على طريق التغييّر ، تبدأ بإعادة فرز القوى على الساحة العربية ، فرزاً علمياً ، وموضوعياً ، تنتهي معه حالات التداخل ، والاختلاط بين فصائل الثورة العربية ، من جهة ، وبين فصائل الحركات الإقليمية ، والتقسيمية ، من جهة أخرى .

لقد دفعت الجماهير العربية ثمن هذا الاختلاط دماء غزيرة ، وهزائم نكراء ، لذلك فإن لهذا الفرز ما يبرره علمياً – ذاتياً ، وموضوعياً – خاصة بعد أن تبيّن من الوقائع ما يثبت أن الحركات الإقليمية ، والطائفية ، حققت للحركة الصهيونية ، ما هي عاجزة عن تحقيقه ، بقواتها الذاتية .

وهذا يعني أن الثوريين العرب أصبحوا أمام طريق واضح ، ومحدد المعالم ، لا خيار لهم في اختياره . وهو طريق الوحدة العربية ، لبناء دولة العرب القومية الديموقراطية ، التقدمية ، العادلة ،  والتخلي نهائياً عن كافة أنواع المراهنات على القوى الإقليمية ، أو على بعضها ، مهما قرعت تلك القوى على طبول الكلمات الكبيرة المتطرفة ، خاصة ، بعد أن أثبتت التجربة المريرة ، أيضاً ، أن تلك القوى لا تتناقض مع مخطط التجزئة للوطن العربي ، وإن كانت تختلف مع بعضها البعض في بعض التفاصيل .

2-      والخطوة الثانية تكون بإيقاف هذا النزيف المستمر ، من جسد التيار القومي العربي التوحيدي ، والحد فوراً من هذه الهجرة المخططة ، والمدروسة ، باتجاه الحركات الإقليمية ، والتقسيمية .

وإذا كان البعض يدعّي ، أن التيار القومي العربي التقدمي ، يعاني من أزمات فكرية ، وتنظيمّية ، فإننا نقول : إن مهمة الثوار العرب تكمن في إيجاد الحلول العلمية ، لهذه الأزمات ، وتلك المشكلات حيثما وجدت ، وليس بالانحراف ، والارتداد ، والردة ، عن المسيرة القومية العربية .

وإذا كان البعض الآخر يحتج بصعوبة تحقيق الأهداف القومية ، ومخاطر السير على طريق تحقيق الوحدة العربية ، فإننا نقول ، إن الصراع مع أعداء الأمة العربية ، لن يكون بأي حال ، من الأحوال ، رحلة سياحية حالمة ، وبالتالي فإن على الذين سيختارون طريق المواجهة ، أن يدركوا منذ البداية مشقة السير على هذا الطريق ، أما الذين يتهيّبون مخاطر سلوك هذا الطريق ، فهذا حقهم ، لكن عليهم إعلان ذلك صراحة ، وليس بالتبرير ، والتلفيق .. ذلك انه بعد كل هذا الذي جرى في الوطن العربي ، من غير المسموح فيه رفع راية الوحدة العربية ، من جهة ، والاتجاه ، في الوقت ذاته إقليمياً ، وطائفياً  ، تحت ادعاء الواقعية .

3-      وتكون الخطوة الثالثة : بمواجهة الأسئلة الصعبة التي تعترض تحديد مسار الثوار العرب بإجابات علمية ، ذلك أن شللاً من الانهزاميين في الوطن العربي يبررون إنهزاميتهم ، بإثارة أسئلة استفزازية  ” تعجّيزية ” ، ويغلقون بأنفسهم كل الطرق إلى النهوض . وأنه لا فائدة ، وأن المخطط الإقليمي ، والعالمي منتصر لا محالة ،  وأن مواجهته غير ممكنة .. ثم – وهذا هو المهم – تكون النتيجة ، التي يدعون إليها ، هي الخلود للراحة ، والسكونية ، واجترار النضالات السابقة ، وعدم مواجهة الأخطار التي تتعرض لها الأمة العربية ، حاضراً ، ومستقبلاً .

4-      باختصار شديد ، نعتقد أن الأمة العربية تخوض ما يعتقد الأعداء ، أنه الجولة الأخيرة ، حيث يحشدون كل ما يستطيعون من قوى ، وإمكانيات ، بينما ، الأمة العربية ، لن تستطيع أن تواجه هذا العدوان الشامل ، إلا بفرز طليعة عربية ، وحدوية استفادت من التجارب التي انقضت ، لتتمكن من مواجهة الظروف ، بالغة القسوة ، التي تفرضها قوى الهيمنة الدولية ،  ووجود الكيان الصهيوني في القلب العربي ، وتسلط أنظمة الاستبداد ، والتخلف التي تفرض سطوتها على الأرض العربية ، والشعب العربي .

أما كيف يتم هذا …..؟ ..

( 5 )

تعترض استمرارية حديثنا عن الوحدة العربية ، ذكرى غالية على قلوبنا ، نحن العرب القوميون ، هي : “الجمهورية العربية المتحدة” ، ذلك أن تلك الذكرى تضعنا وجهاً ، لوجه أمام الحلم ، من جهة ، وأمام التجربة المرة من جهة أخرى ، هناك من أراد أن يعتبر تلك التجربة دليل على الفشل ، ودرس في الإحباط ، بينما نعتقد نحن أنها كانت تجربة على الطريق الطويل إلى الحلم ، هامة في دلالتها ، ونتائجها … لا يمكن المرور عليها دون توقف عندها ، تأملاً ، ودراسة ، واستنتاجاً … ذلك لأن الجمهورية العربية المتحدة شّكلت بولادتها برهاناً ساطعاً ، على إمكانية انعتاق الأمة العربية من حالة الاستلاب ، والهزيمة ، بينما  شّكل انفصال الإقليم الشمالي ، منعطفاً خطيراً ، توقفت بحدوثه مسيرة الصعود التوحيدي العربي ، وعادت مسيرة الانحطاط ، التمزيقي ، تسـتأنف مسيرتها باتجاه المرحلة الخطيرة التي لازمتها ، ومازالت حتى هذه اللحظة التاريخية التي نعيش  .

( 6 )

ففي صبيحة 28 ” سبتمبر ” أيلول 1961 تمكنت عصابة من “الجيش الأول” في الإقليم الشمالي من توجيه ضربة قاصمة ، إلى دولة الوحدة النواة ، ومن إعادة الخريطة الاستعمارية ، التقسيمية ، في الوطن العربي ، التي رسمت في معاهدات ” سايكس – بيكو ” ، و ” سان – ريمو ” ، وعشرات الاتفاقات ، والمعاهدات السرية  … إلى مكانتها البارزة ، كبديل عن دولة الأمة ، أي عادت الحال إلى ما كانت عليه ، وأسوأ ، قبل قيام الجمهورية العربية المتحدة . تلك الجمهورية ، التي بدت ، وكأنها الضربة التحطيمية الأولى ، لتلك الخريطة المشوهة للأرض العربية . وللشعب العربي … ، تلك “الجمهورية العربية المتحدة” التي اهتزت بقيامها أحلام قوى الهيمنة العالمية ، وقوى التفتيت ، والعصبية ، والتخلف ، في الوطن العربي ، وبدأت بقيام العربية المتحدة أحلام العرب بالتوهج ، وبدت التجزئة ، ودولها ، وكياناتها ، وأجهزتها ، كنمر من ورق ، وكأنها مرحلة استثنائية حدثت في غفلة من الزمن ، وأنها كانت تعبيراً عن ” محنة وستمضي ” .. لكن في 28 ” سبتمبر ” أيلول 1961 انقلبت المعادلة ، وعاد التوحيديون العرب إلى مواقع الدفاع عن ما تبقى من هذه الأمة ، ونفش الإقليميون ريشهم من جديد ، ليعلنوا أن التجزئة هي الباقية إلى الأبد ، وأنها واقع موضوعي تقوم عليه دول متنوعة ، وأنظمة حكم من كل الأشكال ، والألوان ، تصدح فيها الأناشيد الوطنية ، وترفرّف عليها الأعلام ، ويظللها الاعتراف الدولي ، والدعم الدولي ، والحماية الدولية … وأن الجمهورية العربية المتحدة كانت حدثاً استثنائياً ، حدث في غفلة من العيون المفتوحة جيداً على الوطن العربي … وأن الاحتياطيات اللازمة ، قد اتخذت ، وتتخذ ، بكل الوسائل ، والأساليب ، والإمكانيات ، وعلى أرفع المستويات ، لمنع تكرار “العربية المتحدة” مرة أخرى ، وأن كل الأسلحة المتطورة ، من أول أسلحة التدمير الشامل ، إلى الأسلحة الفردية ، تجوب البحار ، وتخزّن في القواعد ، التي تحميها الأنظمة العربية ، بسخاء ، قد وضعت بتصرف أصحاب الشأن ، المسؤولين عن حماية الدول العتيدة القائمة فيما يسمونه الشرق الأوسط ، من أول الدولة الصهيونية ” إسرائيل ” ، إلى آخر الدول المنتشرة في كل الاتجاهات بين المحيط ، والخليج . وأن الأقمار الصناعية ترصد ، فيما ترصد ، استقرار تلك “الدول” ، وتراقب عمل المخافر على حدودها التي تقسّم الوطن العربي ، وتأمر بإغلاق البوابات ، أو فتحها حسب الحاجة ، وهي تحت المراقبة الشديدة … ثم ، ومع كل ذلك ، قبله ، وبعده ، اعتمدت القوى المعادية ، على قوى التحكم ” عن بعد ” ، وعن قرب ” ، واستخدام كل ما يتيحه العلم . والعلوم من أسلحة تدميرية ، للوجود الإنساني ، والثقافي ، والحضاري ، والاجتماعي ، والاقتصادي ، للأمة العربية ، مع التركيز على الإنسان العربي تحطيماً ، وتشويهاً ، وتصنيع نماذج من البشر لا تكتفي بتنفيذ ما تطالب به قوى الهيمنة الدولية ، وإنما تبدع ، و”بكامل إرادتها” ، وسائل متطورة ، لتحطيم الوجود الحضاري للأمة العربية ، تاريخاً ، وحاضراً ، ومستقبلاً .

كل تلك الأسلحة ، وأكثر ، مع خبراء التشغيل ، وتأهيل الكوادر اللازمة ، وضعت بخدمة “القراصنة” الذين يختطفون الوطن العربي ، بما ، يعيش عليه من الشعب العربي . وبما ، يختزن داخله من ثروات ، حتى لا تتكرر تجربة دولة الجمهورية العربية المتحدة ، مرة أخرى ، وبشكل أعمق ، وأكثر اتساعاً ، فقد عرفت القوى المعادية ، كيف تحطمّ الجمهورية العربية المتحدة ، التي مضت ، لأن ذلك كان متاحاً بسبب جملة من الظروف الموضوعية ، والذاتية ، الشديدة التعقيد .. لكن الأعداء ، قد يعجزون عن مواجهة جمهورية عربية قادمة ، خاصة إذا عرف ، وعلم ، أو تعلم ، ووعى ، وأدرك ، واستدرك ، وحسم ، الجيل العربي الجديد ، كيف سيقيم الجمهورية العربية المتحدة ،  وكيف يحميها من التحطيم ، وكيف يحصّنها من مؤامرات الأعداء .

( 7 )

وحتى لا  يتوهم أحد ، أننا نلقي ، باللوم ، والمسؤولية على عاتق قوى التقسيم ، والتفتيت ، والإقليمية ، وبالاستناد إلى قوى الهيمنة الخارجية …، نقول ، إن تلك القوى ، التي تخاصم مشروع النهوض القومي ، وتعاديه ، على مختلف توجهاتها ، تعمل ما يجب عليها عمله لتحقيق أهدافها في هزيمة التيار القومي التقدمي العربي ، لأن نجاحه يعني هزيمتها . فقط ، أردنا ، ونريد القول إن عرب الوحدة لم يقوموا بواجباتهم ، ومهماتهم ، كما يجب ، لذلك استحقوا الهزيمة التي يعانون منها هذه الأيام ، وإنهم ، يوم أن يدركوا ما يجب عليهم فعله ، ويمارسون هذا الفعل واقعياً ، فإنهم عندها ، وعندها فقط ، يستحقون النصر . وأردنا أن نقول أيضاً ، إن حجم التدخل الخارجي في الوطن العربي كثيف إلى درجة كبيرة لم تشهدها أمة من الأمم ، وبالتالي ، لا بد من أخذ هذا الجانب بعين الاعتبار .

هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ، وحتى لا يتحول هذا الحديث  إلى حلقة من الندب ، ولطم الخدود ، والبكاء على الأطلال ، أو إلى حديث استعراضي عن الذكريات ، أو إلى مجرد تمنيات عاطفية عن حلم ومض ، وتوهج ، ثم انطفأ … حتى لا يحدث شيء من هذا ، فإننا نتوجه إلى الجيل الجديد من الشباب العربي ، بقصد ، محدد المنطلقات ، والغايات ، هو إثارة أكبر قدر من “الجدل الاجتماعي” – ليس حول أحداث ، وحوادث دولة الجمهورية العربية المتحدة التي مضت – وإنما ، حول الدروس المستفادة منها ، لبناء جمهورية عربية متحدة قادمة ، تكون عصّية على التحطيم ، قادرة ، مقتدرة ، لا تكرّر الأخطاء ، والخطايا ، التي أدّت إلى الكارثة ، التي نعيش ، ونحيا ، ونعاني . جمهورية عربية متحدة قادمة ، قادرة على المواجهة ، وتحقيق الانتصار ، وتحرير الأرض ، وتوحيدها ، وتحرير الإنسان العربي ، ورفع الظلم ، والاستغلال ، والاستلاب ، والاستبداد ، عن كاهله ، وبناء الدولة القومية المتكاملة في الوطن العربي ، على أنقاض الدويلات المتناقضة القائمة الآن في الوطن العربي تنفيذاً لمعاهدات القراصنة الدوليين ، وليس تحقيقاً لحق الشعب العربي في تقرير مصيره .

( 8 )

ولعل أول الدروس المستفادة من تجربة دولة الجمهورية العربية المتحدة هو أن العمل التوحيدي في الوطن العربي لا يمكن تحقيقه إلا بضربة حاسمة ، ومفاجئة للقوى المعادية التي تمتلك قواعد ، وأسلحة ، وقدرات شديدة التأثير ، وبالغة التنوع . بمعنى ، أنها تستطيع إذا أعطيت الوقت الكافي أن تجهض أي عمل توحيدي عربي ، ولعل التجارب الكلامية ، والضجيج حول الوحدة ، وتأخير الوحدة ، بحجة دراسة الخطوات الوحدوية ، وإلى آخر تلك الأساليب … تستخدمه القوى المعادية ، لتنقضّ على مشروع دولة الوحدة  قبل ولادتها ، وهذا ما أثبتته التجارب المرة عن تلك المشاريع ، والخطوات الوحدوية ، التي أثير حولها الكثير من الضجيج ، والتي لم تشهد النور ، وظلت مجرد حبر على ورق ، وتحولت في بعض الأحيان لتأجيج الصراعات الإقليمية ، ولتحويل قضية الوحدة العربية ، في أحيان أخرى ، إلى شكل كاريكاتوري ، ساخر ، وأدت ، وتؤدي من حيث النتيجة إلى نتائج ذات طبيعة كوارثية على مستقبل الوحدة العربية ، وتحولت الفترات الزمنية الفاصلة بين الإعلان عن الخطوة الوحدوية ، أو الميثاق الوحدوي ، وبين الوقت المفترض لتحقيقه ، إلى فترة تستفيد منها القوى المعادية لقضية الوحدة ، في استنفار قواها ، والانقضاض على الذين فكرّوا ، مجرد تفكير جدي ، في إقامة دولة الوحدة . وتسقط أوهام الذين اعتقدوا أنهم سيستخدمون تلك الفترة في دراسة مشروع الوحدة لتحقيق وحدة مدروسة ، غير ارتجالية . ومن حيث المحّصلة استخدمت الكيانات الإقليمية في الوطن العربي تلك الأساليب ، لكشف بعض الفعاليات العربية الجديّة في توجهها الوحدوي ، كمقدمة للتخلص من تلك الفعاليات الوحدوية ، بالأساليب المناسبة .

( 9 )

ولعل الدرس الثاني الذي يمكن استخلاصه من الكيفية التي قامت بها دولة الجمهورية العربية المتحدة ، والظروف الموضوعية ، والذاتية التي رافقت قيامها ، هو أن النضال التوحيدي العربي لا يمكن تحقيقه ، إلا في ظل مّد جماهيري عربي قومي يشل فعالية أجهزة السلطات ، والكيانات الإقليمية ، والتجمعات الطائفية ، والعرقية ، ويمنعها من ممارسة التخريب المنظم ، والقمع الفعال . فلا بد من أن تتحول حالة التحدّي ، والتمرّد الجماهيري ، إلى ظاهرة جماعية عريضة تصعب عمليات السيطرة عليها ، وتصمد أمام محاولات الاحتواء ، والتحريّف ، والتخريب ، وتغيير الاتجاه ، وهذا يفرض على القوميين العرب التقدميين الانخراط  على أوسع نطاق مع كافة مكونات المجتمع العربي في نضال دؤوب لانتزاع الحياة الديموقراطية ، والحريات الأساسية للمواطنين العرب ، فقد ثبت أن الاستبداد ، والطغيان ، والتضييق على الحريات العامة ، وحرية الرأي ، هي العوامل الرئيسية التي تعيق الجدل الاجتماعي ، وبالتالي تعّطل ، وتعيق التطور باتجاه الوحدة العربية  . وفي حالة دولة الجمهورية العربية المتحدة ، كانت الجماهير العربية قد تحولت طيلة سنوات عقد الخمسينات من القرن المنصرم ، والتي سبقت قيام العربية المتحدة ، وأعقبت المهزلة التي انهزمت فيها الكيانات الإقليمية ” العربية ” في فلسطين ، أو هزمت نفسها أمام الصهيونية … تحولت تلك الجماهير العربية الغاضبة في الإقليم الشمالي ، وفي أجواء من الديموقراطية  النسبية ، إلى سيل جارف ضد فساد التجزئة ، وأجهزتها ، وكياناتها ، ففرضت ولادة الجمهورية العربية المتحدة .

( 10 )

ولعل الدرس الثالث هو أن المد الجماهيري العفوي ” على السجية ” ، وإن كان يصلح لوقف الانهيار ،  وتحقيق بعض الخطوات الايجابية ، في مراحل تاريخية معينة ، فإنه عاجز عن تحقيق تقدم مطرّد ، صاعد …،  صحيح أن فوران ، حماس الجماهير العربية في الخمسينات حققّ دولة الجمهورية العربية المتحدة ، لكن تلك الفورة ، والحماسة ، لم تستطع مواصلة المسيرة العربية باتجاه وحدة بحجم الأمة العربية ، بل ، حتى لم تستطع حمايتها ضمن حدودها المحدودة .

لقد أدىّ عجز البنى السياسية للحركات ، والأحزاب التي رفعت راية التوحيد العربي عن استيعاب المد الجماهيري القومي …، كما أن أجهزة دولة الوحدة عجزت عن ذلك أيضاً ، ممّا أدى إلى كارثة في المحصلة النهائية ، للتجربة ، فكان انفصال العربية المتحدة ، مجرد نتيجة مباشرة ، أما النتائج الأبعد مدى ، فهي الأخطر ، وهي التي أدّت ، فيما أدّت إليه ، إلى انحسار المد القومي العربي التقدمي ، وانتعاش الكيانات ، والقوى ، والأفكار ، والتجمعات العنصرية ، والطائفية ، والمذهبية ، التي ترى في المشروع التوحيدي العربي خطراً جسيماً على كيانيتها ، وانعزاليتها ، وتخلفها .

( 11 )

ولعل الدرس الرابع هو أن دولة الوحدة العربية ، عندما تتمكن الجماهير العربية من تحقيقها ، لا بد أن تقام على أسس ديموقراطية ، وقانونية ، وإدارية ، وتشريعية صلبة ، بمعنى أن على دولة الوحدة العربية ، حتى في حدودها ، المحدودة ، كتجربة العربية المتحدة .. عليها أن تتخلص من مرتكزات السلطات الإقليمية التي قامت على أنقاضها ، وأن لا تهادن في ذلك  تحت أي ظرف ، وأن تقيم على الفور مؤسسات دولة الوحدة ، بمواصفات مؤسساتية عالية التنظيم ، واللوائح  .. ذلك أن بقايا الكيانية الإقليمية داخل دولة الوحدة العربية ، ستبقى ألغاماً جاهزة للانفجار في أي وقت ، وستبقى مصدراً للتوتر ، والتفجير ، والتخريب لدولة الوحدة تتحين الفرص للانقضاض النهائي عليها . وهذا ما حصل بالضبط داخل دولة العربية المتحدة . ذلك أن تردد دولة الجمهورية العربية المتحدة في استبدال الأجهزة الإقليمية داخل الإقليمين أدى إلى نتائج أودت بتجربة الوحدة ، وإلى نتائج سلبية بعيدة المدى ، مزدوجة في خطورتها … ، فهي أولاً أدت إلى نتائج تخريبية جاهزة للانقضاض على دولة الوحدة من خلال أية ثغرة ضعف ، يمكن أن تظهر … هكذا ، على سبيل المثال ، وجد الانفصاليون في الإقليم الشمالي أجهزة الدولة الإقليمية للدولة  السابقة على الوحدة ، جاهزة لاستخدامها ضد دولة الوحدة : فالنقد الإقليمي كان جاهزاً يصدره البنك الإقليمي ، لتقوم عليه دولة الانفصال  … كما أن الوزارات ، وكوادر الأجهزة الإقليمية كانت جاهزة ليقيم الانفصاليون عليها ، دولتهم الانفصالية البديلة … بل ، حتى الجيشين ، كانا في دولة الوحدة ، من حيث التركيبة الديموغرافية الأساسية ، جيشين منفصلين ، كل في إقليمه ، ولم يتحولا إلى جيش واحد  ، بل إن عمليات وجود الضباط الكبار هنا ، وهناك أدت إلى نتائج عكسية ، حيث استخدمت الأخطاء التي رافقت ذلك ، لتأليب مؤسسة الجيش الإقليمية ، في الإقليم الشمالي ، للانقضاض على دولة الوحدة .

( 12 )

ولعل الدرس الخامس هو أن دولة الوحدة في حال قيامها بين قطرين عربيين ، أو أكثر لا يمكنها الركون إلى هذا النصر المؤقت ، ومن غير المسموح به ، إطلاقاً ، للقائمين على دولة الوحدة أن يتوهمّوا ، للحظة واحدة ، أن “الدول” ، والكيانات الإقليمية التي تحتل ما تبقى من الأرض العربية يمكن أن تتعايش مع دولة الوحدة ، اعتماداً على ما يتوفر من قوى ، وإمكانيات داخل دولة الوحدة ، فإما أن تتحول دولة الوحدة العربية إلى نقطة ارتكاز للجماهير العربية القومية المنظمة ، داخل دولة الوحدة ، وخارجها ، على طول الأرض العربية ، وعرضها ، تنطلق منها في زحفها الكبير بين المحيط والخليج ، تحريراً لكل قرية ، وبلدة ، ومدينة عربية ، وإما أن تستعيد القوى المعادية للوحدة العربية زمام المبادرة ، فتحاصر دولة الوحدة العربية ، وتسحق المشروع الوحدوي  ،  وهذا يعني ، أن على التوحيديين العرب عندما يحررون جزءاً من الأرض العربية ، ويقيمون عليها نواة دولة وحدة عربية ، أن لا يقعدهم النصر الجزئي ، الذي تحقق ، عن مواصلة الطريق ، ففي ذلك مقتلهم .

( 13 )

ولعّل الدرس السادس هو أن أجهزة السلطات الإقليمية ، بفعل النشأة ، والتربية ، والوظيفة ، والممارسة ، لا يمكن إلا أن تكون معادية لدولة الوحدة العربية ، وللمناضلين الحقيقيين من أجل الدولة القومية ، وبالتالي ، فإن من أشنع الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها المناضلون التوحيديون العرب ، اعتمادهم على تلك الأجهزة تحت ضغط وهم أنهم سيوجهّونها قومياً ، سواء حصل ذلك في ظل دولة الوحدة الجزئية ، أو في ظل اعتلاء بعض القوميين التوحيديين ناصية تلك الأجهزة ، في هذا الكيان الإقليمي ، أو ذاك .

فقد تجاهل البعض من القوميين التوحيديين العرب ، الحقائق الموضوعية الثابتة التي تؤكد أن تلك الأجهزة الإقليمية لا يمكن أن تعمل ضد نفسها ، أو تقاتل ضدّ  كياناتها الإقليمية ، وبالتالي ، فإنها عندما تنحني في بعض المراحل التاريخية أمام زحف جماهيري لا مجال لمقاومته ، فإنما تفعل ذلك لتحقيق عدة أهداف ، دفعة واحدة .. فهي ، من جهة ، انحناءة لتمرير العاصفة التوحيدية ، وهي من جهة ثانية اختبار لصلابة القوميين التوحيديين فتبتلع العناصر ” الرخوة ” السهلة ، وتنفخ فيها ، وتستخدمها لضرب ، وسحق ، وتهميش العناصر ، والكوادر التوحيدية الصلبة ، وهي من جهة ثالثة تنشر قدراً كبيراً من الارتباك ، والفوضى عندما تبدو تلك الأجهزة الإقليمية ، وكأنها ترفع راية الجماهير العربية التوحيدية ذاتها ، وتنسب إلى تلك الراية القومية ، كل الموبقات ، والعسف ، والاستغلال ، والاستبداد الذي تمارسه تلك الأجهزة عدواناً على جماهير الأمة . وهي من جهة رابعة تقوم بدور تخريبي بالغ الفعالية على الصعيد القومي عندما تقترب أجهزة التفتيت الإقليمي من فصائل النضال القومي العربي لتصبغ النظام الإقليمي بصبغة قومية ، بينما هي تعمل من حيث النتيجة على فرز حقيقي ، فتبرز إلى الواجهة العناصر الانتهازية ، والوصولية ، وتضفي عليهم ، وتقدمهم على أنهم فصائل التوحيد القومي العربي ، وتقوم في الوقت ذاته بسحق ، أو محاصرة ، أو تهميش العناصر ، والكوادر القومية الثورية الحقيقية التي تستعصي على محاولات الأحتواء ، والتخريب .

( 14 )

ولعل الدرس السابع ، والحاسم في دلالته ، هو أن دولة الوحدة الجزئية التي لا يقيمها ويحميها تنظيم قومي عربي ، توحيدي ، تقدمي ، لا يمكن أن تستمر ، حتى لو توفرت لها قيادة تاريخية ، استثنائية ، فذة ، كقيادة جمال عبد الناصر .

ذلك أن دولة الوحدة الجزئية ، يجب أن تسّخر ، كأرض محررة ، وإمكانيات ، بشرية ، ومادية ، بتصرف شعب الأمة العربية كله ، ليحّولها إلى قاعدة انطلاق للتوحيد القومي الشامل  ، من جهة ، ويبني عليها في الوقت ذاته النموذج الحضاري الذي يبشر به ، لأمة عربية محررة ، موحدة ، ديموقراطية ، تقدمية ، يحرّر الأمة ،  ويعتقها من الاستغلال ، والاستبداد ، والتخلف ، ويفتح أمامها المجال رحباً ، للتقدم ، والتطور ، واستخدام الإمكانيات المتاحة في بناء حضاري شامخ ، تستحقه أمة بحجم ، ونوع ، وعراقة ، وإمكانيات الأمة العربية .

إن أي خلل في تحقيق هذه المعادلة ، يعني أن فراغاً قد تشّكل ، وبالتالي ، فإنه يغري الكيانيات الإقليمية ، والتقسيمية ، بملء هذا الفراغ فكرياً ، وسلوكياً ، وتكون المحصلة كارثة على النضال القومي ، التوحيدي العربي ، بكل المقاييس .

(  15 )

هكذا نطل على ذكرى ذلك اليوم 22فبراير- شباط – 1958 بعد 52 عاماً ، ليس ً لنحتفل فيه بالجمهورية العربية المتحدة ، علنّا نتنفسّ ذلك الحلم الجميل ،  وحسب ، وإنما قبل ذلك ، ومعه ، وبعده ، لنرسم خطاً في العقل ، وفي الواقع ، إيذاناً بالانطلاق إلى جمهورية  عربية متحدة قادمة ، وإذا كانت القوى المعادية للنضال التوحيدي العربي ، قد ربحت جولة في 28/أيلول – سبتمبر – 1961، فمن المهم التأكيد أن المعركة لم تحسم ، كما توهم البعض ، رغم كل هذا الزبد ، الذي سيذهب جفاء ، والذي يطفو على سطح الحياة العربية ، هذه الأيام … بل نقول ، بعد استقراء عميق للواقع الموضوعي العربي ، إننا ، ربما نعيش زمن السقوط الأخير للإقليميين في الوطن العربي ..، ولكل ما أنتجوه من طائفية ، ومذهبية ، وعنصرية ، وفساد ، وأن هذا الزمن هو زمن المخاض ، لانطلاقة عربية قومية توحيدية جديدة  ..

إننا في ذكرى العربية المتحدة  ، نستذكر وقفة العز ، والشموخ … لقائد معارك التحرر العربي جمال عبد الناصر ، لكننا لن ننسى ، ولن نكرّر ، الأخطاء ، والخطايا ، التي وأدت العربية المتحدة ، لن ننسى ذلك اليوم الأسود الذي وقع فيه الانفصال ، ولن ننسى ذلك   العدوان الذي قضى على دولة الجمهورية العربية المتحدة ، والذي مهّد لعدوان /5/ يونية ” حزيران ” 1967، والذي مهد بدوره لما حصل ، ويحصل إلى الآن … في هذه الذكرى نقول إن دولة الوحدة العربية الديموقراطية التقدمية ، وحدها ، هي سبيلنا للتقدم والتطور والحرية ، وهي الوسيلة الحيدة التي تنقذ الأمة العربية مما هي فيه ، الآن ،  من هوان ، وإذلال ، وعدوان ، وإنها معركة طويلة ، ستحسم في النهاية ، لمصلحة القوى التي تمتلك عناصر ، ومقومّات ، وأسباب النصر ، فتحقيق الأهداف العظيمة لا يتم بالتمّني ، وإنما بالنضال الدؤوب ،  وإذا كان الطرف الإقليمي ، التقسيمي قد ربح جولة بوأد العربية المتحدة ، فإن قوى التوحيد القومي العربي مطالبة بتلبية ، نداء التاريخ ، والحاضر ، والمستقبل ،  لتحقيق مقومّات النصر في ذواتهم ، وفي الواقع الموضوعي ، أساساً ، والنصر في النهاية لمن يستحقه . وعلى الذين ينشدونه ، أن يلبوا استحقاقه …..

حبيب عيسى

أضف تعليق