من ديمقراطية هيلاري… إلى ديمقراطية الشعب العربي …

 

على بساط الثلاثاء

111

من ديمقراطية هيلاري…

إلى ديمقراطية الشعب العربي …

( 1 )

لقد استفذتني السيدة الشقراء هيلاري كلينتون إلى درجة لم أطيق معها صبراً ، فيوم الثلاثاء القادم بعيد جداً ، لذلك أستميحكم عذراً في هذا اللقاء الطارئ الذي فرضه أولئك الرجال الرجال في كنانة العرب ، أتحدث هنا عن الرجولة ، وليس عن الذكورة ، وتلك صفة تعوّد العرب أن يطلقونها على الشجعان من أبنائهم ، بغض النظر عن الجنس ، لقد دمعت عيناي بالأمس وأنا أستمع إلى تلك الشابة العربية الرائعة الشجاعة نوارة ، وإلى ذلك الشاب العربي الرائع عمار ، يطلان من إحدى المحطات الفضائية ، وهما  على السجية يرسمان غداً عربياً مختلفاً ، ويستعجلان إنهاء اللقاء للعودة إلى صفوف الشباب الثائر في ميدان التحرير بالقاهرة لمواجهة هراوات الطاغية ورصاصه وقنابله …

هاهي شمس تونس الحرية تسطع في سماء طيبة ، وتشعّ على بلاد الأجداد في اليمن ، وتنير أضرحة الشهداء المليون في الجزائر بعد عقود من ظلام الاستبداد ….

لتكن النتائج ، ما تكون ، لم أعد مهتماً لذلك ، فالحدث له ما بعده ، المهم أنني لا أنسى يوماً كان كل من أعرفهم يشفق عليّ من أوهام العروبة والوحدة العربية والهوية العربية … حتى أن بعض الأخوة طالبني بالكف عن الكتابة في هذه المواضيع التي لم تعد تهم أحداً ، ومنذ شهر واحد فقط رفع أحدهم إصبعه في وجهي محذراً ، وهو يصيح ، بعد حفلة نقاش ساخنة : ما هي إلا أسابيع قليلة ، وستحلم يا حبيب عيسى بدولة تكون بحجم دولة ، من دول “سايكس – بيكو” التي قضيت عمرك تحلم بتجاوزها إلى “الدولة القومية العربية” ، هل ُيعقل أنك لا ترى ، ولا تشم رائحة الدول المذهبية والطائفية والأثنية التي تدق باب الشرق الأوسط  لتقسيم تلك الدول  ؟ ، هل تعتقد أن التقسيم الذي تم إشهاره في السودان هو الأخير ؟ ، أليس بداية لمواليد مسخ أخرى ، لا حصر لها ، قادمة بين المحيط والخليج ؟ وأضاف : إنني أشفق عليك يا رجل ، آن لك أن تفيق من الأوهام  . يومها أجبته بهدوء : يا صاحبي ، إن  “دول سايكس بيكو” غير مشروعة ، وما يتوالد منها بالتأكيد ليس شرعياً  ، وهذه الأمة العربية ستعرف كيف تنهض ، وتتوحد ، وتشعّ نوراً على هذا العالم . قال : إنني أشفق عليك ، بالأمس ، وبعد حدث تونس ، وبينما كان الشعب العربي من المحيط إلى الخليج يحتضن بعيون دامعة الصبايا والشباب في ميدان التحرير بالقاهرة ، وهم يواجهون بشجاعة وتصميم آلة قمع الطاغية ، جاء صوته عبر الهاتف ، وهو يكاد يختنق من التأثر قال متلعثماً : أنا آسف . قالها ، وأغلق الخط ….

( 2 )

أعتذر عن هذه المقدمة التي طالت أكثر مما قدّرت ، فقد كنت  عقدت مقارنة على “بساط الثلاثاء” بالأمس بين ثورة الحرية في تونس ، وبين ثورة الحرية في الكنانة 18 و 19 يناير ، جانفيه 1977 ، ففي تلك الأيام حرر الشعب العربي في مصر أرض الكنانة تماماً ، وهرب أنور السادات يحوم بطائرته من مكان إلى آخر ، لكن لم يجد الشعب من يمضي بالثورة إلى غايتها ، فعاد الشعب إلى المنازل ، مما أتاح للطاغية أن يعود إلى قصره ثم إلى “كامب ديفد” ، أما في تونس فقد فشلت محاولات إعادة الشعب إلى المنازل حتى بعد هروب الطاغية ، ومازال الشعب العربي في تونس يمسك بأوراق الحرية بثبات وصبر ، وهاهو الشعب العربي في الكنانة يعود بالأمس إلى ميدان التحرير في القاهرة ، وهو مصمم هذه المرة على أن يتمسك بأوراق الحرية هذه المرة حتى إلى ما بعد هروب حسني  ، ورغم ذلك مازال هناك من يراهنني ، فكلما صدر خبر أن بوليس حسني فرق المتظاهرين تمطرني الهواتف : إلى متى يمكن أن يصمد أصحابك ؟ ، ألا ترى وحشية القمع  ؟، لكنني قبلت الرهان ، وربما كان على النخب السياسية ، في مصر وفي غير مصر ، تلك النخب التي كانت تتوهم أنها متقدمة على الشعب ، أن تعيد حساباتها علهّا تلحق بالشعب بعد أن كانت إلى وقت قريب تتوهم أنها ستقوده .

( 3 )

نعود إلى السيدة الشقراء هيلاري كلنتون فقد قالت ، لا فض فوها : “أن حكومة حسني مبارك” مستقرة ، من تريدين أن تطمئني أيتها السيدة ؟ ، هل تريدين بث الطمأنينة في صفوف الصهاينة ؟ ، أم تريدين أن تبعثين الاطمئنان في نفسك القلقة ؟ أم أن الهدف كان طمأنة حسني وحسّه على الصمود ، حتى لا يفاجئكم أنه في إحدى الطائرات يبحث عن من يسمح له بالهبوط ؟ ، هذا حقك أيتها السيدة على أية حال ، نعم ، من حقك هذا القلق ، وأكثر ، لكن عليك أن تنتظري يوماً أسود ، كاليوم الذي مرّ على زميلتك وزيرة خارجية فرنسا عندما ناشدت الاتحاد الأوربي لدعم زين العابدين بالأمن والسلاح ، وهي حتى الآن لا تعرف كيف تخرج من ورطتها  . على أية حال ، من حقكم أن تقلقوا على نظام حسني مبارك ، لكن ليس من حقكم بعد الآن التشدق بالديمقراطية وحقوق الإنسان  ، فمن المهم بالنسبة إلينا يا سيدة هيلاري ، حسم قضية الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان في الوطن العربي من معها ؟ ، ومن ضدها ؟  ، فلقد أثبتت هذه الأيام الراهنة من تونس إلى القاهرة إلى الجزائر إلى اليمن إلى العراق إلى فلسطين ، أنكم ، وحلفائكم الأوربيين ، مع ديمقراطية زين العابدين بن علي ، وحسني مبارك وإلى آخرهم…..  إضافة إلى الفتن المتنقلة التي تنتجونها في العراق وفلسطين والسودان ، تلك هي ديمقراطيتكم التي يواجهها الشعب العربي بمفهومه الإنساني للديمقراطية الحقيقية ، للحرية الحقة ، يواجهها الآن بالديمقراطية في تونس ، واليوم في مصر ، وغداً …. هذه هي ديمقراطيتنا ، وتلك هي ديمقراطيتكم ، وهما نقيضان لا يجتمعان في الوطن العربي ، لقد مرّت سنوات ساد فيها الكثير من الخلط المشبوه ، وُوضع مشروع التحرر والنهوض والتقدم والتنوير العربي بين كفي كماشة طغاة الداخل ، والقوى المتوحشة والمهيمنة من الخارج ، الآن ، آن للشعب العربي أن يتحرر من الطغاة والغزاة في وقت واحد ، فهما وجهان لعملة واحدة ، بينما الشعب العربي يسعى إلى الحرية ، وحمل مشاعل المساواة والعدالة والحقوق والتقدم والمساواة بين البشر ، ونبذ العنصرية ، بينما الطرف الآخر يريد لنا الرضوخ لنموذج بن علي وحسني مبارك والمستوطنات الصهيونية ، والنصر في النهاية لمن يستحقه .

حبيب عيسى

E-mail:habib.issa@yahoo.com

 

أضف تعليق