فلسطين … بين الواقعية القومية و”الوقوعية الإقليمية”

 

 

 

( 1 )

 

غالبا ، ما نتهم ، نحن القوميين ، بأننا ، غير واقعيين ،وهذا ، تلطيف للاتهام ، بأننا ، واهمين  ، من جهتي ، أعترف  ،  أنني واقعي ، إلى النهاية ، لكن الواقعية ،كما أفهمها ، ليست ، “الوقوعية” ، فهناك فرق ،  بين التعامل مع الواقع ، بهدف تغييره ، وبين ، الوقوع ، في الواقع ، والاستنقاع ، فيه ، فالواقعية ،  الإنسانية ،لا تعني الاستسلام ، للحظة تاريخية ، معينة ، وإلا ، لما تحررت أمة ، من الأمم ، في التاريخ ، فقد مرت جميع الأمم ، والشعوب ، بلحظات معينة ، تعرضت فيها ، تلك الجماعات البشرية ، للعدوان ، ودائما ، برز ، منها ، من  تحدث بلغة “الوقوعية” ، التي يتحدثون فيها ، هذه الأيام ، فاعترفوا بالمعتدين ،وصفقوا للعدوان ، وجندوا أنفسهم ، لخدمته، لكن ، لغة التاريخ الإنساني ، والواقعية الايجابية ، أنتجت في الوقت ، ذاته ، قوى التحرر ، والفداء ، والتضحية ، فناضلت ، إلى أن تحررت تلك الأمم ، وأصبح تحررها ، هو ، الواقعي ، وبات الاستسلام ، هو الوهم.

 

( 2 )

 

بما ، يتعلق ، بفلسطين ، لابد من تحديد جذر المشكلة ، ففلسطين ، ليست الهدف ، والصراع ، ليس على فلسطين ، الصراع ، حقيقة ، هو ، على الأمة العربية ، وجودا ،ً أو عدما ، والصهيونية ، التي كانت أداة بيد السياسة البريطانية ، هي ، الآن ، أداة بيد السياسة الأمريكية ،العدوانية ، وبالتالي ، فإننا ، كقوميين ، عندما نقاتل ، لتحرير فلسطين العربية ،فإننا نقاتل دفاعا عن أنفسنا ،  ففلسطين ، بالإضافة إلى كونها ، أرضنا المشتركة ، جميعا ،نحن العرب ، ووطننا جميعا ، فإن المعركة على أرضها ، هي دفاع ، عن بيوتنا ، وإنسانيتنا ، وإرادتنا ، وكرامتنا ، في كل مكان ، بين المحيط والخليج ، والأعداء ،المحليين ، والدوليين ، يعلنون ، الآن ، أنه ، بعد التسوية ، بين الإقليميين ، والصهاينة ، لم يعد ، ثمة ، عرب على وجه الأرض . الوطن العربي ، بات يحمل  أسم ، “الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” ، والأمة العربية ، غدت ، ما لا يعد ، ولا يحصى ، من الشعوب ، والقبائل ، والعشائر ، والأقليات ، والطوائف ، والأعراق ،إنهم ،من الآن ، فصاعدا ، سينقبوّن ، في دمائك ، ودمائي ، عن عصب ، ما ، ينسبونه إلى عنصرية محلية ، أو إلى عرق أعجمي ، ما ، وكلها ، على استعداد ، للفتك ، ببعضها ، بعضا ، وإنني ، هنا ، وفي هذا المجال   ، أحذر ، أن التسوية ، بين الإقليمية ، والصهيونية ، ستعني ، أن “دولة” الصهاينة ، ستتفرغ ، لإدارة الصراعات ، الطائفية ، والعنصرية ، والإقليمية ، في الوطن العربي..

 

( 3 )

 

أقول ذلك ، للتأكيد ، على أن المعركة في فلسطين ، ليست ، معركة ، من أجل فلسطين ، وإنما من أجل الأمة العربية ،أرضا ، وشعبا ، بالنسبة ، لنا ، نحن القوميين ، والمعركة ، بالنسبة للإعداء ، هي ، من أجل استمرار هيمنة ، وقرصنة النظام العالمي الجديد ،  وعلى ، كل ، عربي ، أن يختار موقعه.

أما ، بالنسبة لقوة “الدولة الإسرائيلية” ، فهذا ، لم يعد يخيف أطفالنا ،ذلك ، أن  “دولة إسرائيل” ، وقوتها ، وهم ، اصطنعه ، حكام الدول الإقليمية ، لتبرير الهزائم ، والاستسلام ، وقد ، انكشف ، هذا ، تماما ، في امتحانات بالغة الدلالة ، آخرها ، كان تجربة لبنان ، عندما ، ضعفت ، الدولة اللبنانية الإقليمية ، وانسحب جيشها من الجنوب، وعندها حوصرت منظمة التحرير الفلسطينية ، وانسحبت من الجنوب ، وبقي جيش إسرائيل “الذي لا يقهر” وجهاً لوجه ،أمام أطفال الجنوب العربي ،للبنان ، المحاصرين ،من الجهات كافة ، ماذا جرى…؟

دولة الصهاينة ، والنظام العالمي الجديد ، وركائزه الإقليمية في الوطن العربي ، يبحثون ، ليل ، نهار ، عن طريقة ، لتهريب الصهاينة ، من جنوب لبنان.

قد يفلحون، وقد لا يفلحون ، ليس هذا ، هو ، المهم ، المهم ، أن الدرس واضح الدلالة . فالصهاينة ، لن يصمدوا ، أمام أطفال محررين ، من سلطات القهر الإقليمية …

أما ، بالنسبة ، لليهود ، فإن ، القوميين العرب ،حملة مشاعل الحضارة ، لن  يلقونهم بالبحر ، وإنما ، سيدافعون عنهم ، إذا حاول ، أحد ، في هذا العالم ، أن يفعل ذلك .. ولن نكرر العنصرية الأوروبية ، بهذا الشأن ………

 

( 4 )

 

 أما ، الحل القومي  العربي ، فهو ، حل إنساني ، بالدرجة الأولى . نحن نرى ، أن قوى الهيمنة ، في النظام الدولي ، تستخدم “اليهود” الذين هجّرتهم إلى فلسطين ، كمرتزقة ، لخدمة مصالح الهيمنة ، الأنجلو سكسونية ، على العالم ، وأن ، نهاية المرتزقة ، و المستوطنين ، بصفة عامة ، معروفة في التاريخ ، طال الزمان ، أم ، قصر ، ولهذا ، فإن الحل الإنساني ، لجميع الأطراف ، يتمثل ، في ، أن يعود اليهود العرب ، إلى بيوتهم ، في دمشق ، وفي بغداد ، وفي صنعاء ، وفي القاهرة ، وفي الدار البيضاء ، أما ، المرتزقة ، الصهاينة ، البولند ، والروس ، والرومان ، وسواهم ، فعليهم ، أن يعودوا إلى ، بيوتهم التي هجرّوا منها ، عنصرية ، وقهرا ، وفي ، الوقت ذاته ، يعود عرب فلسطين ، إلى بيوتهم ، في فلسطين ،والتي هجّروا منها ، عنصرية ، وقهرا ، باختصار شديد ، نرى ، تنفيذ ، شرعة ، حق العودة ، لجميع الأطراف ، دون تمييز ، “حق العودة للجميع” ، وإلى الذين ، يرون ، أن هذا الحل ، العادل ، صعب المنال ، نسوق مثال المستوطنين الفرنسيين في الجزائر. كانوا تقريبا ً بعدد مرتزقة “إسرائيل” عند التأسيس ، وعاشوا في الجزائر ، أكثر مما عاش المرتزقة ، في فلسطين ، ومع ذلك، ومع ارتفاع راية التحرير العربي ، في الجزائر ، عاد المرتزقة الفرنسيون ، من حيث أتوا ، ولم ينتظروا ، أن يلقيهم  أحد في البحر …..

 

( 5 )

 

على أية حال ، إلى الذين ترق قلوبهم على مستقبل المرتزقة الصهاينة في فلسطين ، نسوق إليهم المشهد ، الذي لا ينسى ، عندما ألقت “دولة الصهاينة” ، على مرأى ، ومسمع ، من، كل ، هذا العالم المتحضر ، ومن الدول الإقليمية ، في الوطن العربي ، بآلاف الفلسطينيين ، في البحر ، على سواحل بيروت ، عام 1982   ، هذا ، إضافة إلى الذين ذبحهم المرتزقة الصهاينة ، في صبرا ، وشاتيلا وقبل ذلك ، في دير ياسين ،ورغم ذلك ،ورغم المحن …لا نفكر بالأخذ ، بالثأر ، بل ، لن نسمح بذلك ، لأن تطورنا الحضاري ، تجاوز ذلك ، باختصار شديد ، لا بد ، أن نكف عن تعذيب النفس ، وأن نتجه إلى المستقبل ، للانتقال بالثورة العربية ، من مرحلتها المصرية ، والجزائرية ، واليمنية ، والإرتيرية ، والسورية ، واليمنية ، والظفارية ، والعراقية ، والفلسطينية ، واللبنانية ، إلى مرحلتها القومية العربية، ولنبدأ ، من الآن، وكلّ ، من موقعه…..

،إننا ، نقول ، إن الاعتماد ، على قوة إقليمية ، أيا كانت ،  في تحقيق الأهداف القومية ، قد فشل، فشلا  ، لاشك فيه ، ولهذا ، نقول ، إن ، أية قوة إقليمية ، لا تملك  ، موضوعياً ، إمكانية الانتصار في معركة الأمة ، القومية ، مهما امتلكت. إن هذا ، يحتم على الذين يحملون راية الأمة ، أن ينتقلوا ، بالمقاومة العربية ، إلى مرحلتها القومية ، نشأة ، وفكراً ، وعقيدة ، وتنظيماً، وأن يكفوا عن الانغماس ، بالماضي ، ومستنقعاته ، وفتنه.. فقط عليهم ، أن يستخلصوا الدروس المرة ، لتجنيب الأجيال   العربية القادمة ، المرارة ، والهزائم ، والنكسات ، والخيبات.

 

_ صحيفة “العربي” القاهرية :7/10/1999 

حبيب عيسى   

أضف تعليق