” شرق أوسط ” …؟ لكن … لمن …؟!

على بساط الثلاثاء
90
يكتبها : حبيب عيسى
” شرق أوسط ” …؟ لكن … لمن …؟!


(1 )
إن ” الشرق أوسطية ” التي اصطنعوها ، وما يزالون حتى اليوم يرممّون ما يتهدّم منها ، ويشرفون على إدارتها ، بشتى الوسائل المباشرة ، وغير المباشرة ، من أول الأساطيل ، والجيوش ، والقاذفات ، والصواريخ ، والشركات متعددة الجنسيات ، إلى الطغاة ، والمستبدين ، والمخبرين ، والفاسدين المفسدين ، وإلى آخر الذين يشهرون الفتن والإقصاء والاستئصال ، فالجنة لا تتسع إلا لهم ، بل ربما للبعض منهم ، بينما تتسع النار لجميع بني البشر الآخرين … “الشرق أوسطية” تلك لم تكن مجرد مصطلح جغرافي ، وإنما كان الأمل منها ، ومازال يتمثل بتحويلها إلى هوية بديلة عن هوية الأمة العربية التي تشكل مركز هذا الذي يسمونه “شرق أوسط” ، فلا وطن عربي ، ولا أمة عربية ، ولا دولة عربية ، وبالتالي لا شعب عربي ، وإنما “دول فعلية” تحمل أسماء عائلات ، أو ُتنسب إلى مكونات جغرافية ، هذا من الناحية الشكلية …
أما من الناحية الموضوعية ، فإنها ، جميعها ، إقطاعيات يتصرف فيها الذين ُأقطعت إليهم ، تصرف المالك بملكه ، وهي ملك له ولأولاده من بعده ، وقد نص على ذلك صراحة دستور إحدى الدول الفعلية المصطنعة على جزء من الوطن العربي ، حيث جاء في مقدمة دستور تلك الدولة : “إن دولة كذا …هي ملك لفلان … ولأولاده من بعده” ، وموضوعياً ، فإن جميع سلطات الدول الفعلية في الوطن العربي تتمتع بتلك المواصفات حتى لو لم تتضمن مقدمات دساتيرها ذلك النص …..
( 2 )
الغاية إذن كانت تحويل “الشرق أوسطية” إلى مجمّع كيانات بديلة عن كيان الأمة العربية التي تفتقد في “الشرق أوسطية” شخصيتها الاعتبارية ، فشخوص القانون الدولي في الوطن العربي 22دولة فعلية معترف فيها دولياً ، بما في ذلك “دولة للصهاينة” ، وأجزاء مُنحت ترضية لدول الجوار ، ولم تعد عربية في القانون الدولي ، وهكذا فإن ما يسمونه الآن بالشرعية الدولية تتعامل مع “الشرق أوسطية” كشخصية اعتبارية تمثل أراض ، وسكان ، وسلطات ، ودول ، بديلاً عن وطن عربي ، وشعب عربي ، وسلطة عربية ، ودولة عربية …..
وإذا كانت الشرعية الدولية التي صاغتها مصالح المنتصرين في الحروب العالمية ، وغير العالمية ، وإذا كان أي تغييّر في “خريطة الشرق الأوسط” التي رسموها بالدماء والفتن يشكل تهديداً للأمن القومي لدول الهيمنة الدولية ، فأن هذا الحجم الهائل من التدخل الخارجي في أدق التفاصيل العربية يغدو مفهوماً ، ومن حقهم الاحتفاء بدول “الشرق أوسطية” ومؤسساتها وسلطاتها السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ، والثقافية ، والأثنية ، ومذاهبها الدينية ، فتلك الكيانات ليست وليدة الاتفاقيات والمؤتمرات والمنظمات التي تمثل ” دول الشرق الأوسط ” ، وإنما هي محصلة لجهد مثابر وفعال ودؤوب بذله وما زال يبذله النظام العالمي الذي رسمه الأوربيون للعالم طيلة أكثر من قرنين من الزمان ، منذ أن بدأت أوروبا تعتبر العالم برمّته ، بشراً ، وثروات ، وإمكانيات ، خاضعاً لنفوذها ، وأنه جار بملكيتها وبالتالي فهي المركز ، وللعالم بأسره مسميات تتفق مع موقعه من هذا المركز : شرق أوسط ،أو شرق أقصى ، أو غرب أدنى ، أو غرب أقصى ، أو جنوب غرب أو جنوب شرق ، وهكذا .. وإذا كانت جميع تلك المسميات، باستثناء “الشرق أوسطية” قد بقيت تعبيراً عن مواقع جغرافية ، أو تكتلات عسكرية ، أو أحلاف ، فإن ما يخص الوطن العربي منها كان له مدلول مختلف أجهد الأوربيون أنفسهم ( مؤرخين ورجال أديان ومكتشفي آثار ومبشرين وجيوش ومخبرين وجواسيس وعلماء في أصل الأنواع والكائنات…) لأكسائه صيغة متميزة تجعله بديلاً عن وطن أمة ، وعن أمة عريقة هي أمة العرب ، ووطنها …
هناك خارج “الشرق أوسطية” يتحدثون عن مناطق جغرافية ، عن أحلاف تضم أمماً ، وأوطاناً ، بينما ، هنا ، يتطلعون إلى محو هوية أمة ، ومعالم وطن ، وإذا كان كثير من العرب لم يدركوا أهمية ذلك ، فإن أصحاب النظام العالمي الأوروبي ، ثم ( الأوروبي – الأمريكي ) يدركون جيداً أهمية ما يقومون به ، ويبذلون لتحقيقه حتى من دماء أبنائهم …
( 3 )
وإذا كانت ” الشرق أوسطية ” تجتاز اليوم عتبة التجسيد الواقعي لمؤسسات إقليمية ومحلية ذات طابع دولي وسياسي واقتصادي واجتماعي تتمحور كدول حول “دولة إسرائيل” فإن تلك “الشرق أوسطية” كانت قد اجتازت عتبة المخاض الحقيقي على أصوات المدافع التي حسمت الحرب العالمية الأولى ، بعد أن كانت الإمبراطورية الأوروبية الصاعدة قد اخترقت – واقعياً – الوطن العربي من المحيط إلى الخليج في ظل السيادة العثمانية عليه ، والتي كانت تتحول شيئاً فشيئاً إلى سيادة شكلية ، وتنسحب خطوة ، خطوة من أمام الزحف الاستعماري الأوربي .
( 4 )
فمنذ القرن السادس عشر ، ومع استقرار الغزو العثماني القبلي للوطن العربي كانت الإمبراطورية الأوروبية تمد بصرها ، وبصيرتها إلى الوطن العربي ، ذلك ، لأن دروس التاريخ علمتهّم أن من يريد أن يفرض سيطرته ، ونظامه على العالم .. عليه أن يضع يده على الوطن العربي ، مركز العالم القديم ، ومركز الأديان ، وبوابة العالم ، وأخيراً مصدر الطاقة ..وهم يدركون أنه كوطن لأمة عريقة عصيّ على الاختراق ، لذا لابد من تحويله من وطن ، إلى منطقة ، ومن مواطنين إلى سكان ، فكان أن أسموه المنطقة العربية ثم منطقة الشرق الأوسط ، وكان أن أطلقوا علينا الشعوب العربية ، ثم شعوب الشرق الأوسط …
وكان أن اسموا الدول التي صنعّوها “الدول العربية” ، ثم دول الشرق الأوسط ، والذين لم يتنبهوا إلى دلالات الألفاظ في حينه يحصدون اليوم النتائج التي يستحقون . ففي ” الشرق الأوسط ” متسع لدول ، وطوائف ، وسكان ، وأعراق ، وقبائل من كل نوع ، “فإسرائيل” دولة ، وأم القيوين كذلك ، وهكذا .. وهكذا ، فكل قرية في الوطن العربي هي مشروع دولة إن شئتم ، وكل أسرة ، أو عائلة ، أو قبيلة هي مشروع شعب … ، وكل دين ، وكل مذهب ، وكل طائفة ، هي مشاريع دول ، وكل عرق أو إثنية مشروع دولة ، وإذا كانت قد انتهت إلى الآن بالدول الـ / 22 / فإن هذا الرقم قد يكون البداية ، وليس النهاية …!
( 5 )
قلنا أن الإمبراطورية الأوروبية الصاعدة بدأت تتغلغل إلى الوطن العربي بعد أن بسط الغزو العثماني نفوذه عليه ، ولننتبه إلى التواريخ ( ذلك أنهم مع كل مرحلة يريدون إلغاء ذاكراتنا ، ثم يطالبون بالواقعية والبدء من جديد ، تفعيلاً لنظرية الصهيوني العتيد هنري كيسنجر : / البدء من اللحظة الراهنة / والكف في الحديث عن الحقوق التاريخية ، وهم يريدون لنا أن ننسى التاريخ ، أن ننسى أننا عرب ، وأن لنا الحق في دولة قومية واحدة تشمل أرض الوطن ، وشعب الأمة العربية ، وعلينا أن نتذكر كل ماعدا ذلك …
علينا أن نتذكرّ أننا فراعنة ، وبربر ، وفينيق ، وآشور ، وكنعان ، وسومر ، وشركس ، وتركمان ، وسبئيين ، وكرد ، وقبط ، وأديان ، وطوائف ، ومذاهب ، وقبائل ، وأسر ، وبدو ، وحضر ، ووبر ، ومدر ، وسواحليون ، وجبليون ، وصحراويون ، ومغاربة ، ومشارقة ، ومذاهب من كل نوع / بينها من الثأر ، والثأر المضاد مالا ينهيه ،إلا هدر الدماء / وأننا دول مستقلة ذات سيادة من كل الأنواع ، ممالك ، وجمهوريات وإمارات ، وسلطنات ، وأخيراً القذافيات الجماهيرية … وأن ننسى ، ونشطب من تاريخنا ، أننا بكل تلك المكونات دون انتقاص من أي منها ، أو تمييز ، أكتمل تكويننا كأمة عربية كاملة المواصفات ، وأن النكوص رجعية ، أو انحطاط إلى الفتن والتوحش ، وهذا يناقض تطور الإنسان إلى الأمام ، وبالتالي مصادرة مستقبله .
( 6 )
لقد استطاعت الإمبراطورية الأوروبية الصاعدة أن تحصل من أصحاب الجلالة سلاطين بني عثمان على امتيازات تشمل الوطن العربي وفق ما يلي :
1 – الامتيازات لفرنسا سنة / 1535 / ، ثم لإنجلترا / 1579 / ، ثم لهولندا / 1598 / ، ثم لروسيا / 1700 / ، ثم للسويد / 1737 / ثم لنابولي / 1740 / ، ثم للدانمارك / 1765 / ، ثم لإسبانيا / 1783 / ، ثم للولايات المتحدة الأمريكية / 1830 / ، ثم لبلجيكا / 1813 / ، ثم للبرتغال / 1848 / ، ثم لليونان / 1854 / …
2 – وفي ظل سلطة ( العثمانيين ) احتلت فرنسا الجزائر / 1830 / ، وتونس / 1848 / واحتلت إنجلترا جنوب الجزيرة العربية / 1838 / ، والأحساء / 1871 / ، ومصر / 1882 / ، ومسقط / 1892 / ، وكاظمة / 1899 / ، واحتلت إيطاليا ليبيا / 1912 / ، وكذلك الهولنديين في الخليج العربي ، والأسبان والألمان والفرنسيين على المحيط …
3 – وفي ظل سلطة العثمانيين أيضاً : دخل نابليون مصر ، ودخلت بعثات التبشير وكليات الجواسيس الأوروبية من كل نوع لتخترق الثقافة العربية ، ومن ثم بعثات الكشف عن الآثار ، وشركات ما وراء البحار وتم تتويج ذلك بزحف الجيوش الاستعمارية على سائر أرجاء الوطن العربي تنفيذاً لمعاهدات وصفقات من بالمرستون ، إلى كامبل باليرمان ، إلى سايكس ، وبيكو ، وبلفور ، وبدأت مرحلة التفتيت الممنهج ، وتغلغل الجواسيس من أمثال لورانس ، وفيلبي ، وغلوب ، وغيرهم إلى أعماق الأرض العربية ومفاصل السلطات ، وتم تسويد ملايين الصفحات ، وفي كل اللغات عن المذاهب ، والنحل ، والملل ، والطوائف ، والأعراق ، والقبائل ، والمذابح التي حصلت بينها ، والصراعات التي يجب أن لا تندمل جراحها ليسود فكر الفتنة ، وعقل الفتنة لأن هذا هو الطريق الوحيد لميلاد هذا ” الشرق الأوسط ” الذي يحتفون بميلاد مؤسساته رسمياً هذه الأيام .
( 7 )
نستطيع القول بعد هذا ، ودون أن نجانب الحقيقة ، إن الامتيازات التي منحتها إمبراطورية بني عثمان للأوروبيين في الوطن العربي ، والاختراقات ، والاحتلالات التي رافقتها هي البذور التي استنبتوا منها هذا ” الشرق الأوسط ” على شكل دول ، وممالك ، وانتدابات ، ووصايات ، وحمايات نتيجة للحرب العالمية الأولى . وقد تم منحها صكوك الميلاد في سايكس بيكو ، وسان ريمو ، ووعد بلفور ، وعصبة الأمم المتحدة . ثم ، تم تكريس ذلك كله أثر الحرب العالمية الثانية في هيئة الأمم المتحدة ، وتم منح تلك الكيانية السياسية الشوهاء ( شرعيتها الدولية ) عبر صكوك هيئة الأمم المتحدة ، ثم ، وفي المرحلة الراهنة تم حل التناقضات الثانوية بين أطراف الكيانات السياسية التي تحتل أرض الوطن العربي ، والتي رغم اختلاف نظمها ، وطبيعتها ، ورغم أن “دولة إسرائيل” تتميّز بأنه تم استيراد سكانها من الخارج ، إلا أن تلك الكيانات تتوحّد من حيث الوظائف التي تقوم بها ، وهي تقسيم الوطن العربي ، ومنع توحده ، وضخ ثرواته إلى الغرب ووضعه موضع التبعية ، والاستلاب ، والفتن ، والاغتراب ، تتوحد في الاستبداد بالشعب العربي ، وفي التبعية للهيمنة الخارجية .
( 8 )
إن تلك ” الشرق أوسطية ” التي يسميها الصهيوني شمعون بيريز ” شرق أوسط جديد ” ليست جديدة ، ولا يحزنون ، وإنما نجد بذورها ، ثم جذورها ، ثم أغصانها ، ثم فروعها ، قد نمت عبر محطات بارزة لابد من كشف خباياها ، وبسطها بوضوح أمام نظر وسمع وعقل الجيل العربي الجديد الذي يتعرض لقصف إعلامي وثقافي بالغ التركيز والتأثير عبر الصوت والصورة تستهدف عقله المتعب لترسيخ ” الشرق أوسطية ” ومصطلحاتها ، ومؤسساتها بديلاً عن الأمة العربية ، والوطن العربي ، واللغة العربية ، والخصائص العربية ، والتاريخ العربي ، والجغرافيا العربية ، والثروات العربية ، والثقافة العربية ، والاقتصاد العربي ، والمشاعر العربية ، ومن ثم المستقبل العربي … فيتم في ذلك كله تشطيب ” عربي ” ، وتجزيّء كل مصطلح منها إلى عشرات المصطلحات الشرق أوسطية ، حيث يعثر الغزاة ، والطغاة فيها على كل ما يريدون “هم” ، وما يخدم “مصالحهم” ، وما يرسّخ مفاهيمهم ، ومخططاتهم ، ودولهم ، ومؤسساتهم الصهيونية ، وغير الصهيونية بديلاً عن أمة العرب ، ووطنها .. إن العربي لا يعثر في مصطلحاتهم تلك على ذاته ، ووطنه ، وأمته ، ولكنه يعثر على كل ما يؤدي إلى استمرارية وضع اليد الغاصبة العدوانية على ثروات الأمة ، وإمكانياتها ، فالوطن ، دول متضاربة ، والأمة شعوب ، وقبائل ، وأعراق ، ومذاهب ، وطوائف ، وأديان ، والثروات ، والإمكانيات ، بيد شركات متعددة الجنسيات ، أو وحيدة الجنسية ، والدول الفعلية ، ومؤسساتها تابعة ، وخادمة ، وأدوات منفذة ، والعربي لم يعد مواطن في وطنه إنه من الرعايا بالنسبة للحكام ، وهو مجرد ساكن من سكان هذا ” الشرق الأوسط ” بالنسبة للغزاة ، والساكن قد يكون ضيفاً ، أو لاجئاً ، أو عابر سبيل ، أو خادماً و… وعلى كل عربي اليوم ، أن يستبدل بنسبه العربي ، نسباً ينحّط به إلى مرحلة العشائرية ، والقبلية ، والعرقية ، أو يُغترب به إلى الخارج ، كي يتمكن من الحصول على بطاقة شخصية ، أو جواز سفر ، أو جواز إقامة في هذا ” الشرق أوسط ” ، مطلوب من العربي اليوم أن يخرج من جلده ، وأن يحّطم تاريخه ، وحاضره ، ومستقبله ، وأن يتصرّف ” كلقيط ” يبحث بين الجماعات المستوردة ، والكيانات ، والكائنات التي اصُطنعت .. عن من يتبنّاه ، وكأنه لا أهل له ، ولا نسب ، ولا شهادة ميلاد …
( 9 )
ولعل من المهم في هذه المرحلة الدقيقة تسليط الضوء على المرحلة الحاسمة ، المرحلة الأهم ، والمفصلية من مراحل تصنيع وتأسيس هذا “الشرق الأوسط” ، وهي المرحلة الممتدة من منتصف القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين ، إنها مرحلة الولادة الحقيقية “للشرق أوسطية” ، خاصة بعد اكتشاف الكثير من الوثائق التي تشيب لها الولدان ، وما يجري ، اليوم ، في هذه الأيام السوداء ، هو قطف الثمار المسمومة لذلك الغرس النجس في ذلك الكيان الإقليمي المفتعل …
إن الذي يسمونه مع بعض الإضافات “الشرق الأوسط” ، يضيفون عليه هذه الأيام شمال إفريقيا ، ففي شرق أوسطهم لا عرب ، وإنما غرب آسيا وشمال إفريقيا ، وبما أن التطور البشري يتوقف على معرفة الواقع ، كما هو ، لابد من تسليط الضوء على هذا الشرق الأوسط من خلال الوثائق والأحداث حيث تلاعبت القوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى بالوطن العربي ، وأسسّت لتلك الكيانات التي تحتل الآن ما يسمونه منطقة ” الشرق الأوسط ” ، لكن ما تم تنفيذه في تلك الأيام ليس وليد ساعته وإنما كان تتويجاً لجهود مضنية بذلها استراتيجيون وعلماء في مختلف الاختصاصات والمجالات على مدى قرن سابق ، وهكذا فإن ما تم تصنيعه وتأسيسه خلال الحرب الأوربية الأولى ما زال قائماً يقسّم وطن ، ويفتتّ أمة …
( 10 )
وعلى الذين لا يعجبهم الحال ، ويسعون إلى تغييرها أن يعالجوا الأسباب التي أدت إلى ما نحن فيه ، فالتغيير الذي استهدفته ، وتستهدفه القوى المضادة للنهوض العربي ، ليس تغييراً شكلياً يستبدل مصطلح الوطن العربي ، ” بالشرق الأوسط ” ، وإنما يستهدف تغييراً جذرياً لشطب وجود أمة ، ووطن ، وبالتالي فإن التغيير الذي يجب أن يستهدفه أولئك الذين يحملون راية الأمة العربية والوطن العربي ، ليس تغييراً بسيطاً ، وإنما تغيير جذري ، بنيوي ، خاصة وأن ” الشرق أوسطية ” لم تعد مصطلحاً ، ومخططات ، ومعاهدات على الورق ، وإنما أضحت واقعاً ، ودولاً ، ومنظمات ، وقوى ، ومؤسسات ، وسلطات ، وجيوش من المخبرين والمنافقين والمخربّين في شتى المجالات . وإذا كان الطرف الآخر ، محلياً ودولياً ، قد أعدّ للأمر عدّته ، وكسب جولة ، وجولات ، فإن الفريق العربي القومي التقدمي ، رغم الانتفاض ، والرفض ، والمقاومة مازال ، تحت تأثير الصدمة ، غير مصدق لما يرى ، يتصرف بردود الأفعال بينما الفعل المضاد يتجه لتنفيذ استراتيجيات تحدّد الطريق إلى الغاية ، خاصة ، وأن جميع وسائل العرب في الدفاع عن أمتهم العربية قد انهارت من تلقاء نفسها ، أو انهزمت بسهولة أمام قوى مدربة قادرة وقوية ،
المطلوب الآن هو الانتقال من حالة الدهشة ، إلى تحرير العقول للبدء من الممكن ، من الواقع كما هو بكل مكوناته إلى واقع مختلف جذرياً حيث أمة العرب ووطن العرب ، ودولة العرب . على العربي اليوم أن يسّطر خطاً في الواقع ، وخطاً في العقل لتحديد نقطة البداية ، موقعها ، والزمان … أدوات وأساليب إطلاق صافرة الانطلاق ، وتحديد الاتجاه بحيث تخرج الأمة العربية من هذا التيه الذي طال أكثر مما ينبغي ….
حبيب عيسى

أضف تعليق