ثورة في الديار العربية : سورية بين الاصلاح ، والتغيير !

على بساط الثلاثاء

123

يكتبها : حبيب عيسى

ثورة في الديار العربية :
سورية بين الاصلاح ، والتغيير !

( 1 )
أعترف ابتداء أن القلق يستبد بي إلى درجة الاضطراب ، وقد كنت طيلة العقود التي استهلكت ما مضى من عمري ، أواجه مثل تلك الحالة بالصمت إلى أن أستعيد السكينة ، ذلك أن الحديث يصدر عن ذات مضطربة لابد أن يناله شيء من الاضطراب ، لكنني أجد ذاتي هذه المرة ، وقد تمردت على تلك القاعدة تيمناً بثورة الشباب العربي في الوطن العربي ، وتمردهم هذه الأيام ، ربما ، واعترافاً بأن الصمت لم يعد خياراً ، فالعمر يمضي إلى خواتيمه ، وبالتالي لم يعد أمامك أيها العجوز إلا أن تقول كلمتك ، وتمضي …!
( 2 )
ولعل مصدر القلق ، رغم النشوة بمشهد الثوار العرب بين المحيط الذي يعصف هادراً ، والخليج الذي يصرخ ثائراً ، ينبع من مصادر فرعية ثلاثة ، مترابطة موضوعياً ، على ما بينها من تباين ظاهري ، ومصادر القلق ، تلك ، هي :
أولاً : مصدر قلق قادم من خارج الوطن العربي .
ثانياً : مصدر قلق آخر نابع من نظم الاستبداد ، وعقابيلها التخريبية .
ثالثاً : مصدر قلق ذاتي كامن في بنيان الثورة العربية الشبابية الوليدة يهدد استمراريتها وتصاعدها باتجاه الأهداف الاستراتيجية للأمة العربية في النهوض والتنوير والتحرر والتوحيد والتنمية والتقدم .
هكذا نلاحظ أن المصدرين الأول والثاني للقلق ينبعان من خارج الثورة ، بل بمواجهتها ، ولا يملك الثوار القرار فيهما ، كل ما يستطيعونه هو ضرورة التبصر فيهما لتجنب الأفخاخ ، والمطبات ، والغدر ، والفتن ، وحتى العدوان المباشر من قبل أحدهما أو من كليهما معاً ، أما المصدر الثالث للقلق فهو مصدر ذاتي نابع من ضعف بنية الثورة ، وعفوية تنظيمها الناجم عن سنوات مديدة من القمع والاستبداد التي أدت إلى إضعاف النسيج الاجتماعي في المجتمع العربي بحيث تمكنت أجهزة القمع من القبض على عنق المجتمع ، وتفريغه من كافة مؤسساته البنيوية السياسية والاجتماعية والثقافية والنكوص به إلى علاقات ما قبل المواطنة ، بحيث يكون البديل لقبضة الأجهزة الأمنية هو اضطراب المجتمع ذاته ، فيفتك ببعضه ببعضاً ، ويقع في فوضى الفتن والاقتتال ، بينما يفلت الطغاة والقتلة من العقاب ويلحقون بثرواتهم التي نهبوها من الوطن .
لكن هذا القلق والاضطراب الذاتي لا يقلل على الإطلاق من القيم النبيلة التي تزهر في حياتنا هذه الأيام يغرسها ثوار يتمتعون بمواصفات من الجودة لم يشهدها العالم من قبل ، نحن إذن ننطلق من قيم الثورة ، ونحاول الكتابة على هوامش دفاترها ، أما متن النص فيكتبه الثوار الشباب بدمائهم الذكية ، والذين توهموّا أن ما يحدث في الوطن العربي هذه الأيام مجرد صرعة ، يلاقون مصيرهم ، فمنهم من صرعته الثورة ، ومنهم من ينتظر … فماذا عن مصادر القلق تلك ؟ .
( 3 )
أولاً : عن المصدر الأول للقلق والاضطراب المتمثل بعلاقة الداخل العربي بالخارج الدولي لابد أولاً من التحديد أننا نقصد بالخارج هنا : سلطات وحكومات وأجهزة مخابرات وتكتلات الاحتكارات الاقتصادية المتوحشة في تغولها والمؤسسات العسكرية وتجار الأسلحة ، ذلك أن تلك القوى صاحبة النفوذ الطاغي في بلدانها ، وفي العالم على تنوع شبكاتها الاخطبوطية ، تستند في تضخم ثرواتها على مصالح مصيرية بالنسبة إليها في الوطن العربي ، إلى الدرجة التي أعلنت فيها بعض تلك الجهات أن تلك المصالح توازي ما يسمونه “الأمن القومي لبلدانهم” ، يستدعي تهديدها تحريك الجيوش والأساطيل والطائرات المقاتلة ، وبما أن هذا الموضوع ، بهذه الأهمية ، وبما أن ممارسات تلك القوى الخارجية وعلاقاتها بقوى الداخل ، سلطات ومعارضات يكتنفها الكثير من الغموض والشكوك ، فإن الموقف المفترض اتخاذه من قبل قوى النهوض والتحرر والاستقلال والثورة في الوطن العربي بقي ملتبساً بسبب الجهل بمرامي وأهداف وأساليب قوى الهيمنة الخارجية ، وبسبب الشكوك في مدى مقدرة تلك القوى على الفعل في الواقع العربي ومدى مقدرتها على تقرير ما يجب وما لا يجب أن يكون عليه الأمر في الوطن العربي ، وقد تراوح الموقف من الخارج بين من اعتبر أن الخارج لا تأثير له إطلاقاً ، وأن الصراع داخلي محض ، وبين من اعتبر أن كل ما يجري في الداخل العربي هو بفعل وانعكاس لما يريده الخارج ، وأن القوى الفاعلة أو المسموح لها بالفعل في الداخل العربي هي مجرد دمى يحركها الخارج ، وربما كان الموقف الصحيح كامن في منزلة بين المنزلتين ، فلا الخارج قادر على تحقيق مصالحه بدون القوى الخادمة في الداخل العربي ، ولا القوى الطاغية المسيطرة المستبدة في الداخل العربي قادرة على ممارسة طغيانها بدون الارتباط بقوى الهيمنة الدولية ، ويمكن رصد علاقة الداخل العربي بالخارج المهيمن خلال المراحل التاريخية من بدايات القرن التاسع عشر ، وحتى الآن بالمراحل التالية :
1 – مرحلة الصراع بين الغرب الاستعماري والسلطنة العثمانية حيث كان الوطن العربي بالكامل تقريباً تحت السيطرة المباشرة للاستعمار من قبل القوتين الخارجيتين .
2 – مرحلة التفرد الاستعماري الأوربي بالسيطرة على الوطن العربي بعد الحرب الأوربية العالمية الأولى .
3 – مرحلة المعاهدات والصفقات بين القوى الاستعمارية ذاتها ، وبينها وبين بعض الدول الإقليمية المجاورة لاقتسام الوطن العربي وتقسيمه واقتطاع بعض الأجزاء لتقديمها ترضية لدول الجوار وأخرى لتركيب مستعمرات صهيونية عليها ، وهكذا .
4 – مرحلة تصنيع “دول فعلية” في الوطن العربي تخدمّ المصالح الاستعمارية ، فتلك “الدول الفعلية” لا تمثل أقاليم عربية بالمعنى الجغرافي ، ولا تمثل هوية الجيوش الاستعمارية المحتلة ، فلم يقيم الانكليز مثلاً دولة واحدة على الأرض العربية التي يحتلونها ، ولم يقيم الفرنسيون دولة واحدة على الأرض العربية التي يحتلونها ، وإنما قسمّت تلك القوى الاستعمارية حتى نصيبها من الوطن العربي إلى أكثر من 22 دولة فعلية ومستعمرات صهيونية وأجزاء أخرى تم منحها إلى دول الجوار لا يعرف عربي واحد ما هي معايير هذا التقسيم ، ولماذا هذه المدينة في تلك الدولة ، أو جزء منها في دولة أخرى ؟ .
5 – مرحلة إشهار استقلال تلك “الدول” ومنحها “الشرعية الدولية” والاعتراف بها ، وبالسلطات الحاكمة فيها ومنحها مقاعد في الهيئة العامة للأمم المتحدة وانسحاب الجيوش الاستعمارية .
6 – مرحلة الرعاية الخارجية لتلك السلطات ومحاصرة المتمردين على التبعية للخارج سواء من الحكام أو من الشعب ، تلك العلاقة التي استقرت أخيراً منذ نصف قرن تقريباً على عقود مقاولة بين الخارج المنوه عنه وبين الحكام الطغاة وخلاصتها : للطغاة السلطة المطلقة في الداخل ، وللخارج مصالحه مصانة بالمطلق في هذا الداخل ، وبموجب تلك العقود استقر الطغاة على عروشهم طيلة نصف قرن تقريباً ، واستقرت مصالح الخارج يحرسها الطغاة أنفسهم .
7 – مع بزوغ فجر الثورة العربية مؤخراً من تونس بدأ الخارج يضطرب ويخشى على مصالحه ، وقد أعطى للطاغية هناك كل الوقت للقضاء على الثورة في مهدها قبل أن يعلن موقفاً ، وعندما بات من المؤكد أن الثورة تتجه للإطاحة بالطاغية بدأ الخارج يمزق عقد المقاولة مع الطاغية بن علي ، ثم مع الطغاة الآخرين ، ويبحث عن حماية مصالحه المهددة في مكان آخر ، ثم استنفر الخارج كل أبواقه الدبلوماسية والإعلامية لتوجيه النصائح لمن تبقى من الطغاة الآخرين كي يصلحوا أنظمتهم قبل أن تجتاحهم جحافل الثورة العربية ، لكن الطغاة ، وللمرة الأولى في تاريخهم الدامي يتبرمّون من نصائح الخارج ، ويندبون معاتبين من تخليه عنهم ، ويهددون الخارج بأن مصالح الخارج مرتبطة بعروش الحكام ، وأن تلك المصالح ستتهدد بتهديد تلك العروش ، بل ويعتبرون نصائح الخارج تدخلاً في شؤونهم الداخلية ونقضاً لعقود المقاولة ، ويصل الأمر بالبعض من الطغاة إلى درجة استعادة الذاكرة والإحساس من جديد بالسيادة الوطنية التي كانوا قد تجاهلوها لعقود طويلة ، ثم يتبارى الطغاة بإعلان البراءة من بن علي وإنهم ليسوا تونس ، فهذا وزير خارجية مبارك يسخر من السؤال عن الثورة في مصر على الطريقة التونسية ، ويجيب : “كلام فارغ” ، وهذا القذافي يصرخ بعد سقوط مبارك : أنا لست بن علي ، ولست مبارك : “أنا سلطة الجماهير” ، وإلى آخرهم بين المحيط والخليج .
باختصار شديد نقول أن الجماهير العربية المستلبة الإرادة والقرار والحرية كانت تنظر إلى الطغاة على أنهم من صنيعة الخارج ، وأن الشعب العربي من المحيط إلى الخليج هو ضحية مؤامرة دولية ، ومع تغول القمع ، وتدمير النسيج الاجتماعي ، وضرب البنى الحزبية السياسية ، واحتكار القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي كان الشعب يضطر لهجر السياسة تجنباً للمخاطر ، مما أدى إلى حالة من الاستلاب والتسليم ، فالخارج الذي نصبّ الطغاة هو المعني بتغييرهم ، وعندما بدأت إرهاصات الثورة من تونس وبدأ الخارج يتخلى عن الطغاة ارتفعت أصوات الطغاة بأن تلك الثورة مؤامرة من الخارج على عروشهم ، وأن الثورة العربية الراهنة مؤامرة يحركها المندسون من الخارج .
نحن نقول أن هذه الثورة العربية المباركة ولدت مجبولة بجينات جيل عربي جديد فتح عيونه على آباء وأمهات مذعورين من بطش أجهزة قمع متوحشة ، يحذروّن الأبناء من رفع أصواتهم ، يحذرونهم من السياسة ويدعونهم لتقديس الطاغية ، هذا الجيل العظيم لم يثور اليوم على الطغاة ، وحسب ، وإنما قبل ذلك وبعده يثور على جيلنا كله ، على هزائمه واستكانته وخوفه ، إنها الثورة على طغاة الداخل وعلى هيمنة الخارج في الوقت ذاته ، نعم نحن أمام مشهد ثورة عربية لم تكتمل بعد ، قبلها كان الصراع بين الفرقاء ، طغاة وغزاة ، على الأمة العربية ، الآن الصراع بين الأمة العربية ، وبينهم جميعاً ، وهذا بحد ذاته ثورة عظيمة ، الآن ، إذا انتصرت الثورة العربية في هذا الصراع المحتدم بين الأمة العربية من جهة ، وبين الطغاة وقوى الهيمنة الدولية من جهة أخرى ، فإن العالم بأسره سيتغير وسيكون أمام نظام عالمي جديد ، لا فيتو فيه لأحد ، ولا مكان في مقاعد الأمم المتحدة لطاغية ، أو مغتصب للسلطة في بلاده . لكن مصدر القلق نابع من أن يدور بخلد أحد من الثوار أن ذلك الخارج قد تخلى عن مصالحه ، وتاب عن نفاقه ، فهو لاشك يبحث عن بدائل لتحقيق مصالحه ، نقول ذلك ، ونحن نعرف أن الانعزال عن العالم غير ممكن ، وغير مطلوب ، فالأمة العربية في القلب من هذا العالم تؤثر وتتأثر وتتبادل المصالح لكن من موقع القرار المستقل الذي يقرر حدود المصالح للأمة وحدود مصالح الغير ، لاضرر ولا ضرار . وهذا يستدعي الكثير من الحذر خاصة في المرحلة الانتقالية الراهنة من لعبودية إلى الحرية حيث تتداخل القوى وتتصارع .
( 4 )
ثانياً : مصدر القلق الثاني نابع من طيش نظم الاستبداد في الوطن العربي التي لن تسلم بالهزيمة مما يدفعها لارتكاب العديد من الحماقات والجرائم ، هنا لن نكرر ما قلناه عنها ، ذلك أن أفعالها ، وفعائلها حاضرة ، ليس في الذهن العربي ، وحسب ، وإنما في الواقع العربي المهشم ، والذي اقتضى قيام هذه الثورة العربية الراهنة ، ولهذا سنقتصر في هذا الحديث على البحث في قضية واحدة تتعلق بما تطرحه الثورة العربية الراهنة عن النظام الإقليمي في الوطن العربي ، وعن كيفية التعامل معه ، ويمكن اختصار هذه المسألة بسؤال واحد ، هل يطالب الثوار بالإصلاح ، أم بالتغيير ؟ .
إن النظام الإقليمي في الوطن العربي على تنوع أشكاله هو نظام متهتك فردي شمولي احتكاري وبالتالي فإن إصلاحه سيؤدي إلى تغييره ، وبالتالي فإن الإصلاح الحقيقي يلتقي مع التغيير ، ولعل الافتراق بين الأسلوبين يكمن في الحامل لكل منهما ، فالحامل للأصلاح والقادر عليه هو النظام ذاته ، أو جناح إصلاحي منه يتمكن من امتلاك القرار في النظام ، ويمتلك المقدرة والإرادة على ذلك وإن كان هذا يتطلب مساهمة القوى الحية في المجتمع ، بينما الحامل للتغيير هو الثوار أنفسهم وسنترك الحديث عنه للفقرة التالية المتعلقة بالثوار أنفسهم .
أما عن الإصلاح ، فقد أثبتت المراحل التي مرت بها الثورة العربية حتى الآن من تونس إلى مصر إلى اليمن إلى ليبيا أن هذه النظم عصية على الإصلاح لإن تلك النظم تدرك أن الإصلاح الحقيقي سيؤدي إلى التغيير البنيوي لتلك النظم ، وبالتالي من العبث أن يُطلب إليها أن تُسقط نفسها بنفسها ، وهي لذلك تلجأ إلى إطلاق أجهزتها القمعية بكل طاقاتها على الثوار ، وعندما تفشل تلجأ إلى بعض الإجراءات التجميلية وتقدمها على أنها تنازلات ، والتي غالباً ما تنتهي بالرحيل .
مصدر القلق لدينا في سورية أن يصرّ النظام على انتهاج الحل الأمني ، وعلى الإجراءات التجميلية لإنه بذلك يفاقم المشكلة ولا يساهم في حلها ، وهذا ما نخشاه فعلاً ، ذلك أن الأوضاع معقدة على مختلف الصعد ، ونعتقد أن التغيير عن طريق الإصلاح يقرره النظام يوفر على البلاد الكثير من الضحايا ويجنبها مخاطر ومطبات وأفخاخ لا حصر لها ، وحتى ننتقل بهذا الحديث من التجريد إلى الواقع الموضوعي ، فإننا نقدم رؤيتنا للإصلاح بكل شفافية وتصادق ، حيث نرى أن الإصلاح الحقيقي يمر عبر حزمة متلازمة من القرارات يتم اتخاذها وتنفيذها بالتزامن مع بعضها بعضاً ، وهي كما يلي :
1 – إطلاق كافة المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والضمير في الحال .
2 – تعليق العمل بدستور 1973 .
3 – إلغاء حالة الطواريء وكافة القوانين الاستثنائية .
4 – تشكيل حكومة تصريف أعمال من الخبراء والاختصاصيين .
5 – حل مجلس الشعب والمجالس المحلية .
6 – إصدار قانون انتخابات يوفر المساواة بين الناخبين وبين المرشحين وتشكيل هيئة حقوقية مستقلة للأشراف على الانتخابات في جميع مراحلها تضمن النزاهة والشفافية .
7 – إصدار قانون عصري للأحزاب .
8 – إصدار قانون للصحافة والإعلام يضمن حرية الصحافة وحرية الرأي .
9 – الدعوة لا نتخاب هيئة تأسيسية خلال ستة أشهر على الأكثر تكون مهمتها الأساسية إعداد مشروع دستور يضمن الفصل بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية وعرضه على الشعب خلال ستة أشهر اعتباراً من انعقاد الجلسة الأولى للهيئة التأسيسية .
10 – دعوة الهيئات العامة للنقابات العمالية والمهنية خلال مدة أقصاها ثلاثة أشهر لوضع قوانين نقابية تحقق المساواة بين النقابيين ، ويتم بمقتضاها انتخاب مجالس نقابات تمثل أعضائها تمثيلاً حقيقياً .
11 – فك الارتباط بين حزب البعث العربي الاشتراكي وبين السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية وإخضاعه لقانون الأحزاب على قدر المساواة مع الأحزاب الأخرى في البلاد .
12 – إلغاء كافة المنظمات التي تحتكر النشاط بين الطلاب أو القطاعات الأخرى وترك الأمر لهم بانتخاب اتحاداتهم الطلابية ديمقراطياً .
13 – حصر اختصاصات أجهزة الأمن بالقطاعات التابعة لها .
14 – إلغاء المحاكم الاستثنائية .
15 – إلغاء القانون “49″ تاريخ : 8\7\1980 الخاص بالأخوان المسلمين.
16- إلغاء القانون “53″ تاريخ : 8\4\1979 الخاص بأمن حزب البعث العربي الاشتراكي .
17 – تشكيل لجنة للأنصاف والعدالة للكشف عن مصير المفقودين وتسوية أوضاعهم .
18 – إلغاء قرارات منع السفر وضمان حرية التنقل للمواطنين .
19 – السماح بعودة المواطنين المبعدين ومنحهم جوازات سفر .
20 – إلغاء الأحكام الصادرة على سجناء الرأي من السجلات العدلية واسترداد حقوقهم المدنية .
إننا نقترح هذه الحزمة من الإصلاحات ، ونعتقد أن السير بها قد يخففّ الكثير من القلق الذي يضغط على أعصابنا هذه الأيام .
( 5 )
ثالثاً : أما المصدر الثالث للقلق الذي ينتابنا ، فيتعلق ببنيان الثورة ، ذلك أن الاستبداد المديد في الوطن العربي هشمّ النسيج الاجتماعي العربي بهدف إغلاق كل الطرق إلى التغييّر ، وإذا كنا نسجل للثوار مقدرتهم الإبداعية على اختراق ما كان يبدو مستحيلاً ، فإن مصدر القلق نابع من أن الثورة مفروض عليها أن تحقق التغييّر ، وأن تواجه استحقاقاته قبل أن تبني مؤسساتها البديلة ، وتحدد مساراتها الاستراتيجية ، لقد حسمت الثورة موقفها وواجهت وتواجه كل ماترفض وجوده وتنتزع الحرية انتزاعاً لكنها تجد نفسها بمواجهة استحقاقات ومطبات خلفتها سنوات القهر والتخلف والنهب والفساد حيث المجتمع فاقد لمؤسساته السياسية ، أو بمؤسسات هرمة في أحسن الأحوال ، بينما الثورة لم تنجز بناء مؤسساتها البديلة ، وهذا يرتب على الثوار مسؤوليات جسيمة في إزالة التشوهات ، وإدراك المخاطر ، وإحياء المجتمع لإفراز مؤسساته وتعزيز معايير المواطنة ورفع الصوت عالياً بقيم الحرية والعدالة والمساواة واستنفار القوى الحية للبناء ، والارتقاء إلى مستوى المسؤولية التاريخية برفع كافة القيود عن حرية المواطن ، ووقف كافة الانتهاكات لحقوقه الأساسية ، وإزالة كافة المظاهر ، والإجراءات الاستثنائية التي أدت إلى منح امتيازات لمن لا يستحق ، وتهميش المواطنين ، وحرمانهم من حقوق يستحقونها كبشر ، ونحن ، هنا ، لسنا في وارد المحاسبة عما مضى ، فالأمر جلل ، فقط نريد القول أن هذا الشعب العظيم احتمل من المظالم ما لا يُحتمل ، ورغم ذلك لم يخطر له الانتقام ، ولم يفكر فيه ، لأنه يحمل الروح النبيلة لتاريخ حضاري هائل ، فقد كان ، وما يزال ، في أحلك الظروف ، وفي ظل أقسى الانتهاكات لحقوقه الأساسية يمد يده بالدعوة إلى الكلمة السواء ، لكن للأسف الشديد توهّم البعض أن هذا ضعف من الشعب ، وأنه بقدر ما تتغّول عليه الأجهزة بالقمع ، بقدر ما يستكين أكثر ، الآن ، بالضبط الآن ، وليس غداً ، يجب أن يفهم من لم يفهم حتى الآن ، أن هذا الشعب العظيم لم يكن ضعيفاً ، ولم يكن مستكيناً في يوم من الأيام ، لكنه كان صابراً إدراكاً منه للمخاطر التي تحيق بالنسيج الاجتماعي الوطني نتيجة ظروف بالغة التعقيد نالت من المفهوم الحقوقي للمواطنة ، ولم يفهم البعض أن لهذا الصبر حدوداً ، وأن كافة المبادرات لتصويب المسارات الوطنية بإلغاء الامتيازات ، بوضع حد للإقصاء والتهميش والفساد والإفساد ، بإعادة تصويب نظام عام دستوري وقانوني يحقق المساواة والعدالة وتداول السلطة والفصل بين السلطات …كان يجب أن يُستمع لها بالجدية التي تستحقها ، الآن ، ومن منطلق الحرص الشديد على الوحدة الوطنية ، ولوضع حد لأي تدخل خارجي ، يرتفع النداء بالتمسك بالمواطنة ، وبالتكافل الاجتماعي بين جميع مكونات الوطن ، وبالتصدي لكافة الدعوات للتفرقة بين المواطنين ، ورفض مبرراتها ، وبعدم الانسياق وراء ردود الأفعال ، فبذلك ، وبذلك فقط تتحقق الأهداف النبيلة ، فإما أن ينهض الوطن بجميع مواطنيه ، وإما أن ينهزم بكل مواطنيه ، لا حلول جزئية ، ولا مطالب فئوية في هذه المرحلة ، ولا انتصار لفئة بهزيمة أخرى ، إن مقدرة المواطنين على تجاوز هذا المطب ، هو الشرط الأساس للنهوض الوطني المنشود .
إن الوطن يجتاز مرحلة بالغة الدقة ، وأن كل مواطن ، أياً كان موقعه ، يقف اليوم أمام مسؤولية تاريخية تحدد مستقبل الوطن والأجيال القادمة ، فليسعى الجميع كي يتم اجتيازها ، بأقل الخسائر ، وليسترجع الجميع روح التاريخ الحضاري لشعبنا ، فنجنب أنفسنا والأبناء والأحفاد مخاطر الفتن والفوضى والصراعات الدامية . وتتضافر كل الجهود لبناء وطن شامخ قوي ينعم فيه المواطنين بالأمن والمساواة والعدالة تصان فيه حقوقهم كاملة ، وتنفتح الأبواب أمامهم للتقدم والتطور الذي يستحقون .
حبيب عيسى
E-mail:habib.issa@yahoo.c0m

أضف تعليق