الوطن العربي :معارضــــات…”خائنـــــــــــــة ” …!أنظمـــــــــــــة …. ” وطنيـــة ” …!

 

( 1 )

          مع انهيار المشروع ، النهضوي ، التنويري ، في الوطن العربي ، في الثلث الأخير من القرن العشرين ، برز سؤال ملح ، عن علاقة الداخل العربي ، بالخارج الدولي ، وكان ذلك السؤال يزداد إلحاحاً ، مع كل يوم ، في أعقاب أحداث مريرة توالت على الأمة .. حتى بات يطغى على ما سواه من الأسئلة .. بل نكاد نقول ، في اطمئنان ، أن ذلك السؤال ، بات هو المعيار ، للتقييم ، هجوماً ، أو دفاعاً … وهبط البعض ، في التعاطي مع هذه القضية ، إلى مهاترات ، واتهامات ، وشتائم ، وصلت في بعض الأحيان ، إلى حد القرار بالتصفية ، وإهدار الدم ، والحكم بالخيانة ، حتى ، بتنا ، في واقع موضوعي ، يستهلك قدراته ، وإمكانياته في صراعات داخلية ، لا تنتهي … وما زاد في الطين ، بلة ..أن المسألة ، لم تقتصر على الطبقة السياسية ، في الوطن العربي ، سواء كانت حاكمة ، أو معارضة ، وإنما نزل فيها ، هؤلاء ، وأولئك ، إلى الشارع العربي ، تفتيتاً ، وفتناً ، وعراك مجنون يضرب ، بقوة ، المفاهيم الأساسية للمجتمع العربي ، من أول المواطنة ، إلى آخر الهوية ، ويستبدلها ، بمفاهيم عن انتماءات ما قبل المواطنة ، ما قبل الهوية ، عن طريق نبش قبور مستحاثات ، لتصنيمها من جديد … واستحضار فتن ، وصراعات ، مّر عليها الزمن ، لزج الأجيال العربية ، الحاضرة ، واللاحقة ، في أتونها من جديد .. حتى بات الوطن العربي ، لا “وطن” ، ولا “عربي” ، أكثر من ذلك ، فأن الأجزاء العربية ، التي أرادها البعض أوطاناً ، لم تعد أوطاناً ، ولا يحزنون ، بل باتت ، نتفاً ، ترتع فيها العصابات ، من كل لون … ترتب على ذلك ، أننا لم نعد ، بمواجهة قرار عربي ، على ، أي ، مستوى ، لا قومي ، ولا ما دون ذلك ،  لا قطري ، ولا إقليمي ، وإنما بات الوطن العربي ، من أقصاه إلى أقصاه ، ساحة ، تتنازع عليها ، وتتصارع قوى إقليمية ، ودولية ، لن تتردد بإشعال حروب عالمية ، لتكبير حصصها في أرضنا ، وثرواتنا ، والسيطرة على القرار ، والثروة والوجود … والتفاصيل أكبر ، وأكثر ، من أن تحصى ، أو ، أن يحيط بها هذا الحديث ، بل أن تلك التفاصيل ، باتت جزءا لا يتجزأ من الأسلحة في المعركة الدائرة ، على العقل العربي ، لتشتيته في الاتجاهات كافة ، عله يدخل ، في تلك المتاهات المتشابكة ، ويستنقع فيها .

( 2 )

          وإذا كانت المسألة معقدة إلى هذا الحد ، وهي معقدة ، فعلاً ، إلى ماهو أبعد من ذلك … فإننا ، هنا ، لسنا في وارد الغوص في أحداث الماضي ، أو تفاصيل الحاضر ، وإنما ندعو ، فقط ، إلى لحظة تأمل ، ومراجعة ، وتبصر ، لرؤية هذا الواقع العربي موضوعياً ، رؤية بانورامية ، ومن ثم إطلاق صافرة الانطلاق ، للخروج من المأزق ، الذي طال أكثر مما ينبغي .. وبالتالي ، فإن الحديث موجه ، تحديداً ، وبالتخصيص ، إلى الجيل العربي الجديد .. الذي يتعرض لمحاولات متنوعة ، متعددة ، متشعبة ، للقضاء على ذاكرته ، أو كما قال كيسنجر: يكف عن البحث في الأسباب ، وفي ما جرى ، فلا يبحث في المخططات الاستعمارية ، ولا في مؤامرة سايكس – بيكو ، ولا في مشكلة وعد بلفور ،ولا في أنظمة الاستبداد ،ومن أوجدها…،بل عليه أن يتعامل مع الواقع كما هو ، ففلسطين ليست إلا حارة ملحقة بدولة إسرائيل … وان شركات النفط تتكرم علينا باستخراج النفط ، وتحديث الآبار ..وأن أنظمة الاستبداد قدر لامفر منه …. وإلى آخره … فهذا كله ،حصل ،وانتهى ،والحديث فيه مضيعة للوقت ،وهذا كله بات من الماضي .. المهم أن ينخرط الجميع ، في الصراعات ، والفتن المفتعلة ، في الواقع …والأهم ،الاعتراف بالجرائم التي وقعت على الأمة ، والتعامل معها كواقع موضوعي معترف به ..فالتجزئة ، واقع لا ينكره غير الواهمين ، ودولة إسرائيل ، واقع لا ينكره ، إلا الحالمين بالسراب ، وأنظمة الاستبداد ، قدر ، لا يقاومه إلا الجهلة الذين لا يدركون تأبيد تلك الأنظمة ،وطبيعة الدعم الخارجي الذي تتمتع  به ،  و …

          إلى الجيل العربي الجديد ، نقول : إننا نقدر، ما يتعرض له هذا الجيل ، من قصف إعلامي ، كثيف ، ونقر ، أننا كجيل راحل ، نتحمل جزء كبير من المسؤولية ، ونعترف ، بأننا جيل معطوب ، فقد المقدرة على النصر ، فانكفأ ، إلى اللطم ، وجلد الذات ، وظن ، أنه عندما يخرج من جلده .. تحل مشاكله ،وعندما انهزم ، لم يعرف  كيف يعود إلى جلده ، ولا كيف يعيش بدونه ، وأنا ، هنا ، لن أبرر لجيلنا هزائمه ، بالحديث عن مرارة المعارك ، والظروف المعقدة ، التي وجد نفسه ، فيها .. فقط ، أريد القول : أنه ، آن الأوان ، للجيل العربي الجديد ، أن يمسك ، بالدفة ، ويوجهها ، بالاتجاه المعاكس ،حيث يتحول الاتجاه ، من الانحدار باتجاه الهاوية ، إلى الصعود ، باتجاه النهضة ، والتنوير … !

          أما ، فيما يتعلق ، بموضوع حديثنا ، عن العلاقة بين الداخل ، والخارج ، فإن الرؤيا أمام جيلنا ، بدءاً من منتصف القرن المنصرم ، كانت واضحة ، وبيّنة ، لا لبس فيها ، ولا غموض ،  دول يتم تركيبها على أجزاء من الوطن العربي ، ودول أخرى ، كانت ما تزال قيد التركيب ، على يد جيوش استعمارية ، في الأجزاء الأخرى ، وشراكة استعمارية ، صهيونية مع الدول التي تم تركيبها لتركيب دولة صهيونية في فلسطين .. وبالتالي ، فإن المعادلة ، كانت واضحة ، كما يلي : جيوش استعمارية + أنظمة حاكمة ، وقوى مرتبطة بها + حركة صهيونية + قوى هيمنة دولية…، بمواجهة ، فصائل النهوض ، والتنوير ، في الوطن العربي ..

وقد كانت تلك المعادلة ، شديدة الوضوح ، للشعب العربي ، رغم ، أن أكثر من 90% منه ، كانوا في حالة ، من الأمية .. لقد أدرك الشعب العربي ، تلك المعادلة ، على السجية .. وبالتالي ،فقد أفرزت ، تلك المعادلة ، تياراً شعبياً عربياً ، هادراً ، بين المحيط ، والخليج ، شكل رعباً حقيقياً ، ولو إلى حين ، لكل طرف ، من أطراف ، حد المعادلة الأول ،المعادي للأمة ، ولهم جميعاً ، على حد سواء .. وبالتالي ، فإن الفرز ، في الشارع العربي ، كان تاماً ، والحدود الفاصلة ، بين حملة مشاعل مشروع النهوض ، والتنوير ، في الأمة ، وبين معسكر الأعداء ، واضحة ، وجلية ، ومن حيث النتيجة ، فإن المعادلة كانت : جيوش استعمارية مباشرة + أنظمة تابعة لها ، بمواجهة مشروع الأمة ، في النهوض ، والتنوير … فالمشكلة ،كانت في غاية الوضوح …ووسائل المواجهة ،كذلك ……. 

( 3 )

          المشكلة ، أن المعادلة ، الآن ، أمام الجيل العربي ، الجديد ، ليست ، بالوضوح ، ذاته ، فالمشكلة ، باتت شديدة التعقيد ، والخطوط ، والحدود ، بين الأطراف ، باتت متداخلة ،والرؤيا شبه معدومة ،بسبب الصفقات السرية ،التي تناقض ،كل مايبدو على السطح ، وبالتالي ،لم يعد حل المشكلة بسيطاً .. ففي الوطن العربي :

–        أنظمة تقليدية ،متطرفة ، ومرتبطة بالخارج ،ومع ذلك ، تتهم المعارضات ، في دولها ، أنها ، إما متطرفة ، وإما متغربة عن قيم مجتمعها ..ومرتبطة بالخارج ….

–        وأنظمة ، أنتجتها ، ما سمي ، ” ثورات ” وتتهم المعارضات في دولها بذات التهم ، وأنها تستقوي بالخارج .رغم أنها انقلبت على مشاريع الثورات التي جاءت بها إلى السلطة اعتمادا على صفقات مع الخارج …..

–        وهناك أنظمة ، تقيم علاقات علنية ، مع دولة ” إسرائيل ”  ، وأخرى تقيم علاقات ، سرية ، معها ، وثالثة ، تسعى إلى مثل تلك العلاقات ، وهي ، في الوقت ذاته ، توجه للمعارضات ، داخل بلدانها ، ذات التهمة ، وتتهمها ، أنها تستقوي بالخارج ، عليها . أي تتهمها ، بما ، هي ، فيه ….

–        وهناك معارضات متنوعة ،في الأجزاء العربية ، مختلفة التوجيهات ، حول علاقاتها ، بالداخل ، والخارج ، وتتهم الأنظمة ، في بلدانها ، أنها ،هي ،من يستقوي بالخارج ، ومرتبطة بمخططات خارجية على تنوعها …

وبالتالي ، لم تعد المشكلة ، بسيطة ، واضحة ،كما كانت واضحة أمام جيلنا ، ولم يعد حلها ، بسيط ، وواضح ..إنها تحتاج ، الآن ، إلى عيني “زرقاء اليمامة” ،وعقلها … بصراً ، وبصيرة ، لتحديد ، من ، مع ، من ، ومن ، ضد ، من ، فما هي حقيقة الأمر …؟!

دعونا نقوم ، بمحاولة توصيف موضوعي ، للحالة الراهنة ، في الوطن العربي .

أولاً : إن المعارضات ، في الوطن العربي ، على تنوعها ،بين المحيط ، والخليج ، في حالة من الضعف ، والتشتت ، بفعل عوامل عديدة ، ذاتية ، وموضوعية … داخلية ، وخارجية ، لا مجال ، للدخول في أسبابها ، وتداعياتها ، لأن ذلك يطول شرحه .وبالتالي ،فإن ، أوضاع المعارضات العربية ، لايسر صديق ، ولا يقلق عدو ،وهي ، على وضعها الراهن ، غير قادرة على تنفيذ برامجها ، وغير صالحة ، في الوقت ذاته ، على تنفيذ مخططات الخارج ، وبالتالي ، لم ، و لن يفكر ،ذلك الخارج ، باعتمادها ، لتنفيذ مخططاته …. حتى لو أرادت بعض فصائلها ،ذلك …..

 ثانياً : إن الأمر ، والنهي ، في الوطن العربي ، الآن ، هو للأنظمة الحاكمة ، وأجهزتها الأمنية المتطورة ، وللقوات الأجنبية المحتلة في الأراضي العربية  …

ثالثاً : إذا كان الاتهام ، متاحاً ، لمن يشاء ، ضد من يشاء ، فإن الواقع الموضوعي ، في الوطن العربي ، ينبئ ، بوضوح شديد ، أن قوى الهيمنة الخارجية ،السابقة ،المتمثلة ، بجيوش الاستعمار القديم ، واللاحقة ، المتمثلة ، بالإمبريالية ،وأجهزتها ، وشركاتها المتعددة الجنسيات….،  قد اختارت ، سابقا ، ومازالت تختار ، الاعتماد على الأنظمة القائمة في الوطن العربي ، لتحقيق مخططاتها ، وأن علاقاتها ، ببعض المعارضات العربية ، مجرد ديكور ، أمام مجتمعاتها المدنية ،من جهة ، ولابتزاز الأنظمة الحاكمة ، لمزيد من الرضوخ …وتحسين السلوك ….. لا أكثر من ذلك ، ولا أقل ..

( 4 )

          لعل هذا المدخل ، إلى صلب الموضوع ، قد طال أكثر مما ينبغي ، لكنني لا أعتذر عن ذلك ، بل أعتقد ، أن ذلك ، كان ضرورياً ، لبناء الموقف من المعارضات ، والأنظمة في الوطن العربي ، على أسس راسخة ، فنحن سنبتعد عن منطق المؤامرة ، والتخمين ، وسنعتمد الأسباب الموضوعية ، والذاتية التي تؤدي إلى نتائج موضوعية ، وذاتية .. بغض النظر عن تفاصيل الارتباطات السرية ، والمؤامرات ، التي لا ننكرها ، لكننا لا ندعي معرفتها ، وبالتالي ، لا يمكن البناء المعلوم ، على أسس مجهولة ..

          لهذا ، فإننا سنطرح الأسئلة الأساسية ، التي تتعلق ، بموضوع الداخل ، والخارج ، في الوطن العربي :

أولاً : ماذا يريد الخارج من الداخل العربي …؟

          ماذا يريد من الأنظمة …؟ .. وماذا يريد من المعارضات ..؟

ثانياً : ماذا تريد الأنظمة ” العربية ” من الخارج ..؟

ثالثاً : ماذا تريد المعارضات من الخارج …؟

–        في الإجابة على السؤال الأول ، نقول : إن الخارج ، هو ، شعوب ، ودول ، وسلطات ، وتوجهات سياسية ، وثقافية ، واقتصادية مختلفة ، ما يعنينا ،بما يخص موضوع هذا الحديث ، هو الخارج الذي يخطط ، ويتدخل ، ويفعل ، ويجند ، ويقاتل ، ويقتل ، إذا اقتضى الأمر ، لتنفيذ مخططاته ، التي تخدم مصالحه ،في الوطن العربي ، وذلك الخارج ، يتمثل بسلطات دول بعينها ، تسيطر على مجتمعاتها ، وتحاول السيطرة على العالم ، ومصادر الثروة فيه ، ولتحقيق ذلك في الوطن العربي ، يستخدمون ، كافة الوسائل ، والأدوات ، والأسلحة المتاحة ، لتحقيق شروط ثلاثة : مجتمعات ضعيفة ، معارضات ضعيفة ، أنظمة ضعيفة .. بذلك ، وبذلك فقط ، يكون الواقع الموضوعي ،في الوطن العربي ، مستباحاً للخارج ، يرتع فيه كما يشاء …

–        في الإجابة على السؤال الثاني ، نقول : أن ” الأنظمة ” ، التي تستهدف احتكار السلطة ، تعمل باتجاهين ، الاتجاه الأول ، هو إضعاف المجتمع ، وتجريده من مؤسساته المدنية ، والثقافية ، فلا أحزاب ، ولا جمعيات ، ولا نقابات ، ولا حرية رأي ..ولا مواطنة .. أما الاتجاه الثاني ، فيتمثل ، بالبحث عن دور تؤديه ،تلك الأنظمة ، لخدمة مخططات الخارج ، وبقدر ما تنجح في الاتجاه الأول ، بقدر ما تؤهل نفسها ، للعب دور مهم ، في الاتجاه الثاني ..

–        في الإجابة على السؤال الثالث نقول : أن المعارضات ، في الوطن العربي ، تجد نفسها ، بين سندان الأنظمة المستبدة ، ومطرقة قوى الهيمنة الخارجية ،ووهن النسيج الاجتماعي بفعل الاستبداد المديد ، فتتنوع توجهاتها ، يميناً ، ويساراً ، وتجد نفسها ، في حالة حصار مجتمعي ، تم تدمير مؤسساته ، وفقد اهتمامه بالشأن العام ، سواء بالاستسلام ، أو بالخوف ، أو بالعجز ، أو بفقدان الرؤية ،أو بانعدام الثقة ،والشعور باللاجدوى ، وسط تداخل المواقف ، وغياب الشفافية ، وحجب المعلومات ، والمعرفة ..ثم تجد تلك المعارضات ، نفسها ، في حالة حصار ، من قبل أجهزة السلطات ، التي تضعها أمام خيارين ، إما القمع ، والتصفية ، وإما الالتحاق بأجهزة الأنظمة .. ثم تجد تلك المعارضات ، نفسها ، في حالة حصار ، من قبل قوى الهيمنة الخارجية ، التي تسعى ، إلى أن تبقى تلك المعارضات في حالة من الضعف ، والعجز ، التي لا تؤهلها ، تشكيل ، أي ، خطر جدي ، على الأنظمة المؤهلة ،وحدها ، لخدمة مصالح الخارج ، وإن كان ذلك الخارج ، يحاول أن يلعب ورقة المعارضات ، لابتزاز الأنظمة ، للرضوخ أكثر ،أو لتحسين السلوك ، أو لتشويه سمعة المعارضات ، بإظهارها ، وكأنها ، كالأنظمة ، مستعدة لتقديم الخدمات للخارج .. فتفقد حاضنتها المجتمعية ، وتتفرق بها السبل …فيبدو المشهد ، وكأن المعارضات ، تتنافس مع الأنظمة الاستبدادية ، لكسب ود الخارج ، وتنفيذ مخططاته ( وكله ، زي ، بعض ) .

باختصار شديد فإن الأنظمة في الوطن العربي ، وقوى الهيمنة الخارجية ، سواء باتفاق ، أو بدون اتفاق ، تسعى ، على الاتحاد والإنفراد ، لإضعاف المجتمع العربي ، ومؤسساته المدنية ، والثقافية ، والسياسية ، والاجتماعية ، لأن ذلك ، يشكل مصلحة مشتركة ، بين الأنظمة الاستبدادية ، والخارج المتحكم بقراراتها…..

( 5 )

          للانتقال ، بهذا الحديث ، من التجريد ، إلى الواقع الموضوعي ، دعونا نختار نظاماً ،ً  ومعارضة ، له ، في احد أجزاء الوطن العربي ، لا على التعيين .. وليكن ، على سبيل المثال ، النظام ، والمعارضة في مصر ، كنموذج .. ينطبق إلى هذا الحد ، أو ذاك ، على مجمل الأوضاع العربية …

أولاً : على صعيد النظام في مصر ، ليس هناك شبهة على الإطلاق أن ذلك النظام منذ أن انقلب ، على مشروع  الثورة ،الذي كان يعمل عليه عبد الناصر ، في عام 1970 ، وهو يسير بركب السياسة الأمريكية ، فقد أعلن رئيسه ، علناً ، وعلى رؤوس الأشهاد ، أن 99% من أوراق اللعبة بيد دولة الولايات المتحدة الأمريكية ، فوقع اتفاقية “كامب ديفيد” مع المستوطنات الصهيونية ، تحت الرعاية الأمريكية ، ودمر مؤسسات العدالة الاجتماعية ، وفتح أبواب مصر للنهب ، والهيمنة الرأسمالية ، الخارجية ، وطور عمليات القمع والاستبداد ، لتأخذ أشكال جديدة ،مع الحفاظ على الجوهر ، بالحفاظ على شكلانية المؤسسات ، وقمع حرية الرأي ، والتعبير ، وإضعاف مؤسسات المجتمع ، الحزبية ، والمدنية ..، ومنذ عام 1981 ،ونائبه  يسير على ذات الطريق ، فتنازل عن   الـ 1% التي كان قد تركها له ،سلفه ، للولايات المتحدة ، ولم يتخلف عن ، أية ، مهمة ، فقد واصل التطبيع مع الصهاينة ، وأرسل قواته إلى حفر الباطن ضد العراق عام 1990 ، مع القوات الأمريكية ، لضرب العراق ،وفتح قناة السويس عام 2003 أمام البوارج الأمريكية ، لضرب العراق ثانية ، وعندما سأله أحد الصحفيين ، قبل أيام من احتلال العراق ، لماذا لا يتدخل لمنع احتلال العراق ، قال إن الأمر بيد الولايات المتحدة ، وأنها لم تكلفه بحل الموضوع … وعلى الصعيد الداخلي ، قام ذلك النظام باستكمال تصفية المنجزات الإيجابية ، لمؤسسات العدالة الاجتماعية ، في مصر ، ولم يبق ، إلا على نظام أجهزة المخابرات ، الذي مازال مسيطراً حتى الآن ، كل ما في الأمر ، أن المهمة ، كانت تتم ، تحت هدف حماية مصر ، كقاعدة لحركة التحرر العربي أيام عبد الناصر ، فباتت ،منذ عام ال70 وحتى الآن ، تحويل مصر ، إلى قاعدة للمشاريع الأمريكية ، الصهيونية ، في مواجهة حركة التحرر العربية .

          إذن ، نحن أمام نظام حليف للولايات المتحدة الأمريكية ، النظام لا ينكر ذلك ، والولايات المتحدة تعلن ذلك …ولا شبهة في ذلك على الإطلاق ……

ثانياً : على صعيد المعارضة ، في مصر .. نلحظ تنوعاً ، لطيف واسع ، من الأخوان المسلمين ، إلى الرفاق الشيوعيين ، ومن القوميين العرب الناصريين ، وغير الناصريين ، إلى أصحاب الدعوات إلى الأمة المصرية ، ومن الرأسماليين ، إلى الاشتراكيين        و  هكذا …

          ونحن ، هنا ، لن ندخل في سجالات مع أحد .. فتلك القوى تختلف بين بعضها ، البعض حول موقفها من الخارج ، وإن كانت تتفق ، بأنها جميعاً ، معارضة للنظام الاستبدادي  الحاكم … فمنها ، من يرفض تدخل الخارج ، إطلاقاً ، بل ، ويرى ، أن جميع أزمات مصر ، ومشكلاتها ، هي من صنع ذلك الخارج …وهي لذلك ،فإنها تعارض النظام ، أساسا ، لإنه يرهن مصر للخارج ، ومن تلك المعارضة فصائل يتنوع موقفها من الخارج ، فترى بعض الخارج صديقاً ، وبعضه عدواً ، ومن تلك المعارضة ، فصائل ترفض الصلح مع “مستوطنات إسرائيل” إطلاقاً ، ومنها من يوافق على السلام معها ، بشروط ،ومن تلك المعارضة ، من يرى ، بأن النظام ، هو صنيعة الخارج ، ومنها من يرى ، أنه يمكن الاعتماد على الخارج ، في تغيير النظام ، ومنها من فقد الأمل ، بالتغيير ، ذاتياً ، وبالتالي ، فليأت ذلك التغيير ، من أي مصدر كان ، من الخارج ، من القدر .. “المهم أن نخلص” .. ثم لكل حادث حديث …إلى آخر تلك المواقف …

          دعونا نحاول الخروج من نطاق الاتهامات ، والاتهامات المضادة ، والمواقف المعلنة ، والمواقف السرية … ومنطق المؤامرة ،دعونا نغادر ذلك .. إلى النور ، والمواقف الموضوعية الواضحة ، التي لا لبس فيها ، بين فريق هام ،ومحدد ، من الخارج ، وفريق هام ، ومحدد ، من المعارضة ، في الداخل المصري …لا ينكرها فريق الخارج ، ولا يتنكر لها ذلك الفريق من المعارضة .

–        بالتحديد ، وعلى سبيل الحصر ، نختار من الخارج ، قوة رئيسية ، تسعى ، للهيمنة على الوطن العربي ، وبالتحديد عبر سيطرتها على الأوضاع في مصر .. فما هو موقفها ، من النظام في مصر …؟ وما هو موقفها ، من المعارضة في مصر ..؟ وما هي الخيارات الأمريكية ..؟ هل اختارت دولة الولايات المتحدة الأمريكية الوقوف إلى جانب النظام في مصر ، أم اختارت ،وتختار ، الوقوف إلى جانب المعارضة في مصر ..؟

–        بالتحديد ، وعلى سبيل الحصر ، أيضاً ، نختار من الداخل المعارض ، في مصر ، منظمة ، حقوقية ، سياسية هامة ، على رأسها الدكتور سعد الدين إبراهيم ، فمن هو الدكتور سعد الدين إبراهيم .. إنه مواطن أمريكي من أصل مصري ، يحمل الجنسية الأمريكية ، ولست  بحاجة ، هنا ، لإيراد “القسم” الذي أقسمه الدكتور إبراهيم عند منحه الجنسية ،  ولا اعتقد ، أن الدكتور سعد الدين إبراهيم ، يحنث بالقسم ، وأنا ، هنا ، لا أهاجم ، ولا أستنكر ، ولا أتهم ،فهذا خياره ، إنما ، فقط ، أوصف الحالة الراهنة ..فأقول ، إن “مركز ابن خلدون” الذي يديره الدكتور سعد الدين إبراهيم ، لعب دوراً هاماً ، وتم اعتماده ، كواحد من أهم المراكز ، لتمرير ما سمي في حينه ( السلام مع إسرائيل ) ولتحويل الوطن العربي إلى أقليات يسعى المركز لتحصيل حقوقها ، في تقرير مصيرها ، على حساب تقرير مصير الأمة العربية .. وسعى ذلك المركز ، ويسعى لتسويق السياسة الأمريكية ، والدفاع عنها في المجالات كافة ، وتم اعتبار ذلك المركز ، من قبل المؤسسات “الصهيوأمريكية” منذ منتصف الثمانينات ، من القرن المنصرم ، كأحد أهم المراكز المعتمدة في العالم ، للبحث عن ما أسموه في   حينه : ( أرض مشتركة في الشرق الأوسط ).. نحن ، إذن ، أمام مركز ، وشخصية ، ليس هناك أية شبهة في توجهاته الأمريكية ..وعلاقته العضوية مع الإدارة الأمريكية . ،وهو ،في الوقت ذاته ،يقف ، موقف المعارضة من نظام مرتبط بالمصالح الأمريكية والمخططات الأمريكية ،كما أسلفنا ، فالفصيل المعارض ،والنظام الحاكم ، لهما ، ذات الارتباطات الواضحة بالإدارة الأمريكية ، ففي خانة ، من ، من الطرفين ، يصب الموقف الحقيقي ، للإدارة الأمريكية ..؟؟!!

دعونا ، نرصد موقف الإدارة الأمريكية ، لأن موقفها ، هو القول الفصل ، في الموضوع … فقد يخطئ النظام ، في مصر ، في فهم المصالح الأمريكية ، وقد يخطئ الدكتور سعد الدين إبراهيم ، ومركز ابن خلدون ، في فهم المصالح الأمريكية ، لكن الإدارة الأمريكية ، لا يمكن أن تخطئ ، في إدراك مصالحها ..

منذ أعوام قليلة ، اقتادت أجهزة الأمن المصرية الدكتور سعد الدين إبراهيم ، إلى السجن .. وكان على الإدارة الأمريكية أن تحدد موقفاً .. فماذا كان ذلك الموقف …؟

لقد رأت الإدارة الأمريكية ، أن النظام الاستبدادي ، في مصر ، هو الذي يخدم مصالحها … فوقفت إلى جانبه ، وسحبت تحفظها على توريث النظام ، إلى الابن .. لكنها في الوقت ذاته أوعزت إلى سفيرها في القاهرة ، لمرافقة مواطنها سعد الدين إبراهيم إلى السجن .. ثم التمست له العفو من النظام ..احتراما لجنسيته الأمريكية ، وتلك كانت حدود الدعم الأمريكي ، لا أكثر … ماذا يعني ذلك …؟

يعني أمراً محدداً ، وكاشفا ،وهو ، أن الإدارة الأمريكية ، رأت أن النظام الاستبدادي ، في مصر ،هو الذي يحقق المصالح الأمريكية ، أكثر بما لا يقاس ، مما يمكن أن يحققه ،لها ، مركز ، أو شخص ، ولو كان يحمل الجنسية الأمريكية ، في المعارضة المصرية ..ويسعى لتطبيق النموذج الأمريكي في الحكم ،باختصار شديد ، رأت الإدارة الأمريكية ، أن نظام الحكم الاستبدادي ، هو ، الذي يناسب شعب مصر ، وليس النموذج الأمريكي ، الذي يحمله المعارض سعد الدين ابراهيم …! ،ولو كان للإدارة الأمريكية رأيا آخر ،لكانت لبت النداء الذي وجهه الطلاب في الجامعة الأمريكية بالقاهرة إلى كونداليزا رايس عندما زارت الجامعة : “اديلوا فيزا وخذيه ياكونداليزا ” ….

الآن ، إذا كان هذا ، هو ، خيار الإدارة الأمريكية ، بين طرفين لا شبهة في هواهما الأمريكي .. لنا ، أن نقدر خيار الإدارة الأمريكية بين ، معارضات عربية ، أسست منظوماتها الفكرية ، والعقائدية على مقاومة التدخل الخارجي ، والهيمنة الخارجية ، وأنظمة التبعية للخارج …ودفعت أثماناً باهظة ، من وراء القضبان ، وعلى أجهزة التعذيب ……….. ، وبين أنظمة تقهر شعوبها ، وتكبل الحريات ، وتساوم عليها ، لتنفيذ ما يريده الخارج ،وتحصل على حسن السلوك المطلوب.

( 6 )

لقد أردت من هذا الحديث ، وأرجو أن أكون ، قد وفقت ، أن أدعو إلى وقف تلك السجالات ، التي وصلت ، حد الإسفاف ، إلى وقف حملات التخوين ، والردح ..وأن نتداعى ، جميعاً ، في الوطن العربي ، إلى الكلمة السواء ، ونقول ، بكل التصادق ، للأنظمة ، أنها لا يمكن أن تكون وطنية ، وأن تصمد أمام قوى هيمنة الخارج ، إلا بالاستناد على مجتمع قوي في الداخل …قوي بأحزابه ، ومؤسساته ، وحرية مواطنيه ، ونقول في الوقت ذاته ، للمعارضات العربية ، أنها لا يمكن أن تحقق أهداف التحرر ، والديمقراطية ،والعدالة ، إلا بالتصادق مع أوسع قطاعات المجتمع ، وبإن تحصن نفسها ، بالحاضنة الشعبية .

دعونا نلخص ماأردنا قوله ،بالآتي :

–        ضرورة اعتماد “الأنظمة” في الوطن العربي ، على مجتمع قوي ، بمؤسساته ، ومواطنيه الذين يتمتعون بكامل حقوقهم الأساسية ، كشرط لعدم المساومة ، وتقديم التنازلات للهيمنة الخارجية ، وشرط جوهري لنيل احترام الخارج ،في الوقت ذاته …..

–        ضرورة اعتماد المعارضات ،في الوطن العربي ، على الحاضنة الشعبية كشرط لمصداقيتها،وذلك بمعالجة فيروسات نقص المناعة ، التي دسها الاستبداد ، والغزاة ، في نسيج المجتمع ، فالمجتمع هو حصنها الوحيد ،الذي يعصمها ، من أن تكون ورقة في مساومات الخارج ، والأنظمة المستبدة .وشرط لمقدرتها على التغيير الإيجابي ، والانعتاق ، من الاستبداد ، وشرط جوهري ، لنيل احترام الخارج أيضاً .

ونحن ، حقاً ، وبكل التصادق ، نريد أنظمة وطنية ، لكنها ، لن تكون كذلك ، إلا بتحسين سلوكها مع المجتمع العربي .. لأن تحسين سلوكها مع الخارج ،انعكس ، وينعكس دائماً ، سوء سلوك مع الداخل العربي ..

إن فهم هذه المعادلة ، من جميع الأطراف في الوطن العربي ، والعمل على تغيير السلوك ، بالتعامل داخل المجتمع العربي ، بين سائر مكونات المجتمع ، والسلطات .. تهذيباً للحوار ، واحتراماً للآخر ، والكف عن القمع ، والتوحش ، والاحتكام إلى إرادة الشعب ، وصندوق الاقتراع ، وإطلاق الحريات العامة ، والتسامح ، واحترام الحق بالاختلاف .. كل ذلك هو الطريق الوحيد ، للانتقال من الوضع البائس ، الذي نحن فيه .. إلى مستقبل ينهض فيه المجتمع ، وتنهض فيه المؤسسات ، ويقوى الجميع ، بقوة الجميع .. قوة مؤسسات الدولة ، من قوة المجتمع .. وقوة المجتمع من قوة مؤسسات الدولة .. وهو الطريق الوحيد ، لتقليل الخسائر في عملية التغيير ، التي لا يمكن أن تنتظر أكثر .. من التوحش إلى الأنسنة ، ومن الرعية ، إلى المواطنة ، في الوطن العربي ..

فهل يكفي ما تقدم لفتح حوار موضوعي ، بين جميع مكونات المجتمع العربي ، بعيداً عن المهاترات ، والاتهامات ، وعبارات التخوين ، والإسفاف ، والقذف ، والشتائم ..؟

دعونا نختلف على برامج محددة ، للنهوض ، والتنوير ، في الوطن العربي .. لا بأس ، في ذلك .. دعونا نتنافس ، كيف نصون المصالح الوطنية للأجزاء ، وللكل العربي .. لا أكثر من ذلك ، ولا أقل . بعد ذلك ، وليس قبله ، يستعيد الداخل العربي ، أنظمة ، ومعارضات ، موقعه ، الذي يفرض الاحترام على الخارج، ويعبر عن حضارة عريقة ، لم تقصر ،أبداً ، في منح الخارج ، رسالات إنسانية بالغة الأهمية فيعيش عليها حتى الآن رغم تخلفنا .. وتقدمه ………

وربما إلى اللقاء …..

•        حبيب عيسى

أضف تعليق